وقد يحضرني في ههنا قول الجاحظ في كتاب الحيوان في أوائله:«وفضيلة الشعر مقصورة على العرب وعلى من تكلم بلسان العرب».
على أن الجاحظ إنما بنى زعمه هذا على أن الشعر العربي فيه الوزن وهو سر حسنه المعجز. ولم يكن خافيًّا عن الجاحظ مكان السجع والمزدوج. فكأن أشعار أمم العجم قد كانت عنده من هذا الضرب. على أنه في الذي زعم لم يكن قصده الفخر على أمم العجم بشعر العرب وفضيلتهم بذلك كما كان يريد الاحتجاج لفضل العلوم التي تقيدها الكتابة ويستطاع نقلها بالترجمة على الأشعار التي يعتمد في حفظها على الذاكرة ولا يستطاع نقلها بالترجمة (١).
قال تعالى جل من قائل:{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} وقال سبحانه وتعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
ولا يلام كاتب أوروبي يذهب إلى تصنيف الشعر العربي في الغنائي دون المسرحي والملحمي بقصد أن يؤخره ويقدم الشعر الأوروبي عليه في المنزلة أو بسبب التقصير عن فهم حقيقة طبيعته لإلفه طبيعةً من نظم الشعر مباينة لها. ولكن يلام الأديب العربي الذي يصنف مثل هذا التصنيف، لما في ذلك من التقليد الأعمى أو الغفلة المؤسفة أو هما معًا ... هذا إن سلم من بعض بقايا حقد شعوبي قديم.
على أن من المستشرقين من فطن لفرق ما بين طبيعة الشعر العربي وأشعار أوروبا القديمة والحديثة وعبر عن ذلك تعبيرًا جيدًا واضحًا.
قال شارلس ليال في مقدمة كتاب اختيارات له ترجمها من الشعر العربي،
(١) () الحيوان لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مصر، الطبعة الثانية سنة ١٣٨٥ هـ- ١٩٦٥ ج ١ من ص ٧٤ - ٧٦.