قدر هؤلاء، بسبب أن شاعر كما قدمنا. وإذ عُد في السادة لزمه أن يتخلق بأخلاقهم، كي لا يسب بالإسفاف فيكون ذلك سبًا لقومه، ثم لزمه أيضًا مع ما هو مطلوب منه من الشجاعة في القول، والصراحة في البيان، أن يحترس فلا يقول ما يُؤبن به هو، مما يصير عارًا عليه وعلى قومه، أو ما يسوء سادة قومه، أو ما يسوء الكرام من غيرهم إساءة تحفظهم، إذ القول يُؤثر جيلاً بعد جيل والشاعر مهما يكن كاللسان بالنسبة إلى قبيلته، فإنه إن برز كان بمنزلة الحكم بالنسبة إلى غيرها من القبائل.
والحق أن فردية الشاعر المتأصلة، وحرصه على التحدث بلسان نفسه، ثم كونه مع ذلك مرادًا منه بحكم البيان وبحكم الكيان الاجتماعي أيضًا، أن يصدق عن مجتمعه، ثم يسايره مع ذلك، ويزينه ويطربه ويشجوه ويزهوه. كل هذا كان يضعه أحرج وضع ويعرضه إلى أن يقف موقفًا من البطولة بمقدار ما وهبه الله من ملكة البيان الشعري، فكلما كانت ملكته قوية بارعة، كان موقفه من البطولة أقوى وحرجه من المجتمع أشد إذ يكون صدقه حينئذ أكثر واحد، ونفاذه إلى القلوب أسرع، واحفاظه ذوي الحفيظة أقرب، واستدعاؤه للريبة في ما ينطق به عن نفسه أوشك. والله تعالى أعلم.
[طريقة القصيدة ووحدتها]
لعلك الآن أيها القارئ الكريم -ذاكر ما كنا قدمناه لك من قبل في فصل «قرض الشعر» - من أن الشاعر العربي لا يتكلف التماس الوسائط إلى سامعه، وإنما يروم مصارحته وإيصال تجربته إليه حتى يشاركه السامع فيها ويكون كأنه هو نفسه قد جربها. ثم لعلك أيضًا ذاكر ما ألمنا به من قولنا إن الصراحة الصلتة طريق عسر، وإن الشاعر، قد طلب لها التذليل بإيرادها في إطار من الوزن والقوافي والزخرفة النغمية. ثم لابد أنت ذاكر مع كل هذا ما قدمناه من أن القافية والوزن معًا