يكونان بمنزلة المفتاح للتعبير، وموسيقا الشعر التي يتمثلها الشاعر فيهما تحمل نفسًا واحدًا منه يشير إلى وحدة كلمته من لدن مطلعها إلى مقطعها.
ونريد هنا أن نضيف أمرًا آخر في ضوء هذا الذي قدمناه من منزلة الشاعر في مجتمعه، وبطولته المفروضة عليه من قبل المجتمع والملكة معًا، وهو أنه ينبغي أن يفتن في أساليب الاحتراس البياني مع ما هو مطلوب منه من الصراحة- فلم يجد إلى ذلك سبيلاً خيرًا من أن يلتزم طرقًا خاصة في إلقاء القول، تقوم مقام الرمز المعروف الدلالة. ثم قد اكتسبت هذه الطرق الخاصة بمرور الزمان جمالاً شكليًا وروحًا في ذات نفسها، فضلاً على مدلولها الرمزي، ثم إن الشاعر يُضمن هذه الطرق الشكلية الرمزية الخاصة ما شاء من المعاني تضمينًا يدركه السامع، يكون أحيانًا إيحاء خفيًا مُستسرًا، ويكون أحيانًا جهيرًا لا يضرب دونه من حجاب.
هذه الطرق البيانية الخاصة، ذات الدلالة الرمزية، والجمال الشكلي المعتق بمرور الزمان وتقبل الجيل بعد الجيل، هي ما تواضع عليه النقاد وقالوا إنه الشعر، ولك أن تسميه مذهب القصيدة. وهو مذهب غريب غاية الغرابة إذا قيس إلى أصناف الشعر الأفرنجي. ولقد ثبت على الأجيال منذ زمان امرئ القيس إلى يومنا هذا.
ولعمري إني إذ أقول إنه غريب غاية الغرابة بالنسبة إلى الشعراء الأفرنج إنما أتجوز. والواجب أن أقول بعكس ذلك- أي أن الشعر الأفرنجي غريب غاية الغرابة بالنسبة إلى مذهب القصيدة. ذلك بأن مذهب القصيدة بالنسبة إلينا نحن الناطقين بالعربية المعبرين بها شيء كالأساس ومذاهب الشعر الأفرنجي مهما تخلبنا إنما هي شيء غريب عنا، وقصارى جهدنا أن نقتبس منها ثم نؤول إلى الأصل الذي كنا عليه. ومن رام سوى ذلك سبيلاً أصابه ما أصاب الغراب حين رام محاكاة الطاووس. وشر من ذلك أن يروم طاووس محاكاة غراب.
ولقد درج النقاد منا المعاصرون على أخذ قسمة الإفرنج للشعر قضية مسلمة.