وانظر كيف حذف أبو الطيب المقدمات، وفصلها حبيب، وتفصيل حبيب مع أنه يقصد إلى دفع الشك، يصحبه لون من الشك، يجعل النتيجة التي يحصل عليها السامع من كلامه جزئية لا كلية، وهي قولك إن بعض الظفر غير كريم، وذلك حين لا يكون الطلب كريمًا. بينما تجد المتنبي يدفع عنك الشك مرة واحدة، بحذف المقدمات، ويلقي إليك النتيجة كلية، وهي أن كل سرور يصحيه تيقن بالانتقال غم شديد، أو هو أشد الغم.
وانظر في هذا المثال من شعر المتنبي:
وكم ذنبٍ مولده دلال ... وكم بعد مولده اقتراب
وجرم جره سفهاء قوم ... وحل بغير جازمه العقاب
ومحل الشاهد: البيت الأول، وأنما ذكرنا الثاني للتتميم. فانظر فيه، وقسه إلى جانب قول حبيب:
كانت لنا ملعبًا نلهو بزخرفه ... وقد ينفس عن جد الفتى اللعب
فكلا القضيتين جزئية النتيجة. ولكن أبا تمام يذكر المقدمات، والمتنبي يلقي بالنتيجة إلقاء، ويترك لك أن تحدس ما مقدماتها، وهذا شأنه في أكثر القضايا الجزئية، كأنما كان يستكثر أن ينفق في توضيحها جهدًا.
[كلمة عن الطباق]
يزعم النقاد أن الطباق كان قليلا عند الأوائل، قلة الجناس التام والمورى والمتشابه، وما هو من قري ذلك من ضروب الصناعة. وهذا زعم باطل فيما أرى. وما عليك إلا أن تتصفح دواوين القدماء لتتحقق من صدق ما أقول. وأسوق ليك، على