ثم ذكر الضيف وخروجه إليه. وقد كان عمرو بن الأهتم من سادة بني تميم وخطبائهم ووفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وله مع الزبرقان بن بدر في ذلك خبر. وكأن شبيبًا نظر إليه في الذي خاطب به امرأته وافتخر به من قرى الأضياف وهو قوله:
وإني كريم ذو عيال تهمني ... نوائب يغشى رزؤها وحقوق
ومستنبح بعد الهدوء دعوته ... وقد حان من نجم الشتاء خفوق
يعالج عرنينا من الليل باردًا ... تلف رياح ثوبه وبروق
تألق في عين من المزن وادق ... له هيدب داني السحاب دفوق
أضفت فلم أفحش عليه ولم أقل ... لأحرمه إن المكان مضيق
ومذهب المخاطبة كثير وعند الإفرنج في قصصهم مذهب سبيه بهذا الذي أوردنا من إدارة الوحدة والربط على حيلة من المخاطبة كيا سمية ويا نوار ويا بنة مالك وما أشبه أحسب أن أصله من قصص ألف ليلة وجحا ونحوهما من الأساطير وهو الذي يقال له Picaresque (بيكارسك) وهو ما يجعل أمر وحدته منوطًا بمغامرات شخص بعينه وإن لم يكن بين المغامرات نفسها رابط يربط بينها غير هذا الشخص المغامر- من ذلك «دون كيهوثي أو كيشوت» ويرى بعضهم أن هذا أصله من تحريف اسم جحا وذكر أبو حيان التوحيدي في بعض ما كتب أنه كان من الكوفة على زمان بني أمية، وقصة «توم جونز» للروائي الإنجليزي «فيلدنج» وما أشبه. وقد أنكر أرسطو طاليس صحة الوحدة على هذا الوجه في المأساة وعاب من جعل قوام مأساته أخبار هرقل البطل وقال برأيه المعروف في تشبيه وحدة المأساة بوحدة الكائن الحي وهو ما يقال له الوحدة العضوية. ثم استعمل هذا اللفظ على غير وجهه، والله الموفق للصواب.
سابعًا: الاقتضاب:
قال زهير بن أبي سلمى في المعلقة:
فلما وردن الماء زرقًا جمامه ... وضعن عصي الحاضر المتخيم
ظهرن من السوبان ثم جزعنه ... على كل قيني قشيب ومفأم
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله ... رجال بنوه من قريش وجرهم
يمينًا لنعم السيدان وجدتمها ... على كل حال من سحيل ومبرم
فهذا اقتضاب، وسوغه أنه متضمن لمعنى الرحلة إذ قوله:
وقفت بها من بعد عشرين حجة ... فلأيا عرفت الدار بعد توهم