ولئن صح -وهو إن شاء الله صحيح- أن موسيقا أوروبا المحكمة العالية لها أصول -من طريق أصولها في أغاني الكنيسة- في موسيقا الخلافة التي درست، فلا بد من القول أن تلك الأصول تمت إلى طبيعة تأليف القصيدة العربية القديمة بسبب عظيم.
[بين امرئ القيس وابن الباقلاني]
قال أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن (طبعة دار المعارف بتحقيق السيد أحمد صقر- القاهرة سنة ١٣٧٤ هـ- ١١٩٥٤ م) يذكر من فضائل القرآن وإعجازه وينبه على نقص سائر أصناف بلاغة العرب عن تلك المنزلة: (انظر ص ٦٩): «ومعنى عاشر، وهو أنه سهل سبيله فهو خارج عن الوحشي المستكره، والغريب المستنكر وعن الصنعة المتكلفة. وجعله قريبًا إلى الأفهام، يبادر معناه لفظه إلى القلب، ويسابق المعنى عبارته إلى النفس، وهو مع ذلك ممتنع المطلب عسير المتناول، غير مطمع من قربه في نفسه، ولا موهم مع دنوه في موقعه أن يقدر عليه أو يظفر به. فأما الانحطاط عن هذه الرتبة إلى رتبة الكلام المبتذل، والقول المسفسف، فليس يصح أن تقع فيه فصاحة أو بلاغة، فيطلب فيه الممتنع، أو يوضع فيه الإعجاز ولكن لو وضع في وحشي مستكره، أو غمر بوجوه الصنعة، وأطبق بأبواب التعسف والتكلف، لكان لقائل أن يقول فيه ويعتذر أو يعيب ويقرع. ولكنه أوضح مناره وقرب منهاجه، وسهل سبيله، وجعله في ذلك متشابهًا متماثلًا، وبين مع ذلك إعجازهم فيه. وقد علمت أن كلام فصحائهم وشعر بلغائهم لا ينفك في غريب مستنكر، أو وحشي مستكره ومعان مستبعدة، ثم عدولهم إلى كلام مبتذل وضيع لا يوجد دونه في الرتبة، ثم تحولهم إلى كلام معتدل بين الأمرين،