رجل من أهل المعرة يقال له طارق كان يقرأ القرآن ثم ارتد وتنصر، قوله:
مخاريق تبدو في الكنيسة منهم ... بلحنٍ لهم يحكي غناء مخارق
ومخارق هذا من الموسيقيين على زمان المائة الأولى من خلافة بني العباس، وإياه عني دعبل في هجائه لإبراهيم المهدي إذ قال:
إن كان إبراهيم مضطلعًا بها (يعني الخلافة ... ) ... فلتصلحن من بعده لمخارق
وقد ينسب إليه الغناء الماخوري وهو ضرب دون ما كان عليه شأن الموسيقا الأول من الاتقان. ويجوز أن يكون أبو العلاء المعري ما أراد إلا التشبيه والتمثيل فقط. غير أن الغالب على طريقته الدقة وبعد الغور. فلن نباعد أنفسنا من الصواب أن اخذنا بظاهر معنى كلامه أن لحون أناشيد الكنيسة على زمانه كانت فيها محاكاة للحون مخارق. وفي تأريخ فرنسا القديم أنه قد كان لنصارى الشام نصيب كبير في تعليم أهلها ضروبًا كثيرة من أساليب الحضارة والصناعة. وأول الأبيات القافية التي منها البيت المقدم ذكره قوله:
الأهل أتى قبر الفقيرة طارقٌ ... يخبرها بالغيب عن فعل طارق
وهي في ديوانه لزوم ما لا يلزم.
ذهبت موسيقا العرب والمسلمين مع ذهاب الخلافة والذي أصابته دولة الأتراك من بقاياها ظل باهت قالص. والذي احتفظ به أهل الطرق والأذكار والمدائح شيء تعمدوا فيه أنه تعبديٌّ مغلب فيه جانب وضوح اللفظ والمعنى. وقد كان يصاحب التعبد قصد إلى التثقيف الديني والابتعاد عن طرب اللهو الدنيوي ونغمات أناشيد الصوفية تتشابه في بلاد الإسلام فيما بين مشارقها ومغاربها على الرغم مما قد يكون بين ضروب موسيقاها الدنيوية من اختلاف.