وهذا الكلام يشف عن دماثة وكرم نفس وإن كان ليس برصين حق الرصانة من ناحية السبك.
ومما يلفت نظري في قصيدة «أفراح الوادي» مطلعها:
ما بالرعاة أثارهم فترنموا ... هل طاف بالصحراء منهم ملهم
وقد سمعت كثيراً من الناس يستحسنونه، وبعضهم يقول إنه طريف حقاً، وإنه خير من الاستهلال بذكر الأطلال، وإنه يمثل الفرح، والنشوة اللتين قصد إليهما الشاعر.
وأظن القارئ يعلم أن القصيدة قيلت في مدح الأمير فاروق أول أيام ملكه، لا أدري أقيلت في تتويجه أم زفافه. وأقول مخلصاً إن المهندس لو كان استهل بذكر الأطلال والدمن كما كان يفعل الجاهليون لكان أجدر عندي بالمعذرة من استهلاله هذا لأن ابتداءه بذكر الرعاة فيه تقليد لا يرتضى، لمذهب قديم جداً من مذاهب الشعر الأوروبي التي درست ومضى. زمانها - وهو مذهب الشعر الرعوي. وإذا كنا نلوم المعاصر إذا بدأ بذكر الأطلال - وهي شيء من صميم لغتنا وأدبنا - أفلا نلومه إن بدأ باستهلال أوروبي قديم فرغ أهله من استهجانه؟ ؟
أقول هذا ثم أعتذر للمهندس رحمه الله بأنه ربما كان وجد من نفسه ولعاً شديداً بالمذهب الرعوي الأوروبي، والمرء معذور فيها تتعلق به خويصة نفسه إن لم يكن في ذلك إضرار بغيره.
وبحسبي هذا القدر عن الكامل، ومذاهب الشعراء قدمائهم ومحدثيهم فيه.
[٣ - المتقارب]
العروضيون يعدون هذا البحر دائرة، هي الدائرة الخامسة، وقبل أن يستدرك