للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناف. وذلك يدل على إسقاط شعر عاد وثمود وحمير وتبع» - فابن سلام كما ترى لا يرد القصيدة الطويلة إلى تاريخ بعيد بعدًا سحيقًا عن أوان بعثة النبي، إذ ليس بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين هاشم إلا أبوان أو قل ثلاثة أجيال أو قل قرن على أبعد تقدير، فذلك مقارب لزمان امرئ القيس والمهلهل وعمرو بن قميئة وعبيد بن الأبرص وعلقمة بن عبدة وهؤلاء أوائل الشعراء، وما سبقهم فهو كالتمهيد والتوطئة لهم.

[ما قبل الشعر وأثره في النثر العربي]

نريد بقولنا «ما قبل الشعر» جميع أصناف الموازنة والمقابلة والسجع والازدواج التي سبقت اختراع الوزن المحكم والقصيدة التامة.

فإذا وضح هذا من مرادنا، فانا نرى أن «ما قبل الشعر» هذا قد أتيح له، بعد أن انفرقت عنه القصيدة وصارت هي الشعر، أن تنشأ منه ضروب النثر العربي الفني من لدن الأمثال الأولى إلى المقامات والرسائل وما يجري مجراها. وقد كان القرآن هو السبب الأكبر في هذا التطور العظيم. إذ قد جاء خارجًا من أعاريض القصيد، ولكنه مع ذلك ذو إيقاع رصين وفواصل كالقوافي، وأسجاع وازدواج بارع النغم، كقوله تعالى (سورة سبأ):

{وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ (١) مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)}

ونحو قوله تعالى:

{ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ


(١) بالهمز وبدونه.

<<  <  ج: ص:  >  >>