للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله:

إن يقض يعدل أو متى يسأل يهب ... وإن يقل يصدق وأن يعد وفى

ما لي لا أضفي له المدح وقد ... أضحى به الحق علينا قد ضفا

ومما فخر به في مقدمة القصيدة:

أنا الفتى لا يطبيني مطمع ... فأبذل الوجه لنيل يرتجى

فهذا في معنى ما قدمناه من أن أصحاب الملكات الجيدة أحسوا كساد سوق التكسب بالمدح فانصرفت همم كثير ممن هدى الله منهم إلى التماس الأجر عند الله بمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مما حثهم وقوى عزمهم في هذا الباب داعي الجهاد الذي كان يدعوهم ليذودوا عن دار الإسلام بالمال والأنفس والسنان والبيان، إذ قد أحدق بها في المشرق والمغرب بأس أعدائها من الصليبيين وغيرهم من الكفرة، فكانت القصيدة النبوية مما تستثار به الهمم وتعزى به النفوس، وتنشرح لنشيده الصدور، وتعرف بوجوه بلاغته وجوه بلاغة الكتاب العزيز، وذلك من أهم ما حباه الله عز وجل من أسباب حفظه. {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

[طور النضج]

وصلت القصيدة النبوية أوجها ونضجها على أيدي جماعة من مداح الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا شعراء مطبوعين لهم في الشعر باع طويل، ومع ذلك انصرفوا بقوى ملكاتهم كلها إلى تجويد المدح النبوي دون غيره من سائر أغراض الشعر يدفعهم إلى ذلك حب عميق لرسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرة على الدين الحنيف إذ دعاهم داعي الجهاد وتيسير من الله سبحانه وتعالى وتوفيق (١).

الوتري والفازازي وابن جابر ومن سلك سبيلهم يمثلون جانب البديع واللزوميات من مداح الرسول عليه الصلاة والسلام. والزمخشري وأبو حيان والفيروزآبادي يمثلون جانب العلماء الغالب على منهجهم أسلوب العلماء من مداح الرسول عليه الصلاة والسلام. وهؤلاء قد تصفو ديباجة أساليبهم حينًا ولكن الغالب عليهم نظم العلماء وقد مرت بك أمثلة ذلك في أبيات من لامية الفيروز آبادي وغيره وما لا بأس بالاستشهاد به في هذا المجرى دالية الحافظ ابن حجر التي أولها:

يا سعد لو كنت امرأً مسعودًا ... ما كان صبري في النوى مفقودا

وسهرت أرتقب النجوم كأنني ... في الأفق أطلب للحبيب عهودا


(١) ينبغي أن ننبه ههنا على مكان الوزير ابن أبي الخصال الأندلسي (٤٦٥ - ٥٤٠ هـ) بين كبار مداح الرسول صلى الله عليه وسلم وقد نوقشت بآخرة رسالة عنه بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس تدل على أن بخزانة القرويين من شعره مجموعة صالحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>