فهذا عنى به نفسه وقوله في كشحه هضم يقوى تفسيرنا قوله هضم أنه جمع لهضيم الكشح، فهذا الرجل الضامر صدى من ذلك الفحل العيثوم الذي في ميمية علقمة:
والإشارة إلى مأثور القول وتضمينه والإيماء إليه كل ذلك مما يدخل في باب الربط ويكون مع تسلسل الكلام وتدرجه كما يكون مع تداعي المعاني- قول بشامة بن الغدير: «جلا جليلا» دعا فكرة «ثوب بن بيض» وهو إشارة وضرب مثل وقول زهير في المعلقة:
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله ... رجال بنوه من قريش وجرهم
دعا قوله من بعد:
ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة ... وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ... ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
أي يكتم من الله سبحانه وتعالى.
[رابعا: المقابلة]
وقد تكون فرعا من تداعي المعاني، كما قد تكون مقدمة له، ومن المقابلة ما دلالته التباين، فالمباين يقابل مباينه، ومنها ما يدل على تشابه، فيكون من باب إلحاق الأمر بما يشبهه ويكون من هذه الجهة موازنا له.
فمن باب إلحاق الأمر بما يشبه أبيات حصين بن ضمضم في معلقة زهير، فإنه لما قال:
«هل أقسمتم كل مقسم فلا تكتمن الله إلخ» ألحق بهذا كتمان حصين ما عزم عليه من الخروج
وقول عنترة:
وكأنما التفت بجيد جداية ... رشأ من الغزلان حر أرثم
نبئت عمرا غير شاكر نعمتي ... والكفر مخبثة لنفس المنعم
فها هنا تداعي معان، إذ وجد عند الغانية التي يصف إسماحا ومنالة فهو لذلك شاكر. ولكن عمرا جاحد. عمرو هذا إما أبوه وإما عمه وإما صديق، وهو هنا يذكر منه نكرانا وجحودا، ويحذر من عواقب ذلك.
وألحق بعمرو هذا حنقه في آخر القصيدة على ابني ضمضم. والراجح انهما كانا ذوي شر عارم، فقد ترى ذكر زهير حصينا منهما، وقد يكون حصين هذا نفسه هو الذي شتم عنترة، فنكره عنترة بذكر أخيه معه، وكأن عنترة يقول أما عمرو فبكرة نعمتي قد خبث نفسي، وأما ابنا ضمضم حصين وأخوه فقد قتلت أباهما وكمثل مصرعه مخبوء لهما عندي لو يجسران فألقاهما.