هذا القول، ثم أرباح لنفسه أن يجعل للقافية ائتلافاّ مع معني البيت؟ وأعجب من ذلك، أنه حيث جسر أن يجعل لها ائتلافًا مع معني البيت، خاف من أن يجعل لها ائتلافًا مع وزنه ولفظه. والذي فاته أن القافية، متي وجدت، فأنها ليست بشيء عرضي، وليست بكلمة كسائر كلمات البيت، وانما هي رمز يشير إلى طبيعة نغمة ورئته، ورنة سائر القصيدة ووزنها. والناقد الحق من إذا وقع على قول مثل قول الديلمي:
أين ظباء المنحني ... سوالفًا وأعينا
ثبت في فكرة، واستقر في وهمه، وزن يرن بنا نا نا على طول تفعيلات البيت. ومثل هذا التوهم ينبغي ألا ينقطع، وإن كان القصيد غير مقفي - وهذا غير موجود في العربية وإن كان القصيد مسمطًا منوعًا في قوافيه. فسنخ القافية، وهو النغم المتوهم موجود في طبيعة الشعر. ولهذا قدمنا في باب النظم أن القافية أخت الوزن.
وبعد، فلعل هذا يوضح ما نذهب إليه، من وجود نوعين من الائتلاف والانسجام في طبيعة الشعر: الأول بين وزنه وكلامه، والثاني بين رنة وزنه ورنة كلامه. وقد أفردنا للوزن والقافية بابًا طويلًا، مر بك أيها القارئ في كتابنا الأول. وسنفرد فيما بعد بابًا خاصًا بالبيان إن شاء الله. فليكن حديثنا هنا مقصودًا على ناحية الرنين اللفظي.
[أركان الرنين]
لما كان الانسجام كله، مداره على التنويع والتكرار، فمظاهر التكرار لا تتعدي التكرار المحض والجناس. ومظاهر التنويع لا تتعدي الطباق والتقسيم. فهذه هي الأصناف الأربعة التي يقوم عليها رنين البيت بعد الوزن والقافية.