للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألفاظ الكلام الموضوع فيه؟ وقد فطن قدامة رحمة الله عليه (١)، إلى الائتلاف الذي بين الوزن المحض والقول المسرود فيه، وسماه ائتلاف اللفظ والوزن، ولكنه أجحف بأمر القافية، وزعم أن ليس لها ائتلاف مع الأجزاء والفصول الأخرى المكونة لحد الشعر، مثل الوزن واللفظ مثلا. وقد نبهنا في أول كتابنا هذا على ما تسبغه القوافي من الروح على الشعر الذي تصاحبه. ومن الغريب حقًا أن قدامة لم يستطع أن يتجاهل ما للقوافي من علاقة بنظم الشعر، من حيث ائتلافها معه، ونبؤها عنه. مثلا: إذا اضطر شاعر أن يضيف "فاستمع" أو "يا عالما بحالي" ليكمل البيت، ويأتي بالقافية، فإن هذا يتنافر مع سائر معني البيت. وقد مثل قدامة للتنافر فيما مثل به بقول القائل (٢):

ووقيت الحتوف من وارث وا ... لٍ وأبقاك صالحًا رب هود

وانتقد هذا قائلا: "فليس نسبة الشاعر الله عز وجل إلى أنه رب هود، أجود من نسبته إلى رب نوح، ولكن القافية كانت دالية، فأتي بذلك للسجع، لا لإفادة معنى بما أتى منه، والله أعلم. اهـ."

والذي فات قدامة أن القافية كما تتنافر مع المعني، فقد تتنافر مع اللفظ، وقد تتنافر مع الوزن والنغمة. والعجب له كيف أجاز لنفسه أن يجعل بين القافية ومعني البيت ائتلافاّ، مع أنها بزعمه كلمة ليس لها حظ من الذاتية، إلا مجيئها في مقطع البيت، ومجيئها في مقطع البيت، على حسب قوله، ليس "ذاتيًا لها وإنما هو شيء عرض لها، بسبب أنه لم يوجد بعدها لفظ من البيت غيرها، وليس الترتيب- أن لا يوجد للشيء تال يتلوه- ذاتًا قائمة فيه. فهذا هو السبب في أنه لم يكن للقافية من جهة ما هي قافية تأليف مع غيرها. اهـ" (٣) -أقول: العجب له كيف أساغ مثل


(١) راجع نقد الشعر لقدامة بن جعفر، تحقيق أبي عبد العزيز محمد ابي عيسى ممنون مصر (؟ ) ١٧ - ١٨.
(٢) نفسه ١٣١.
(٣) نفسه ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>