للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشعراء العصر يتحامون المنسرح لأن وزنه غير ثابت عندهم، وليس في يسر السريع ولا الكامل الأحذ، ولو قد كان كذلك لأكثروا منه لما يغلب على المعاصرين من تكلف الرقة واللين.

[الخفيف]

قد سبق أن قلنا إن الخفيف يجنح صوب الفخامة. وهذا النعت ينطبق عليه إذا قسناه إلى جنب السريع والأخذ والمنسرح. أما إذا وازناه بالطويل والبسيط فهو دونهما في ذلك. والسر في فخامته بالنسبة إلى البحور التي ذكرنا، أنه واضح النغم والتفعيلات، فلا يقرب من الأسجاع قرب السريع، وأنه ذو دندنة لا تمكن من الحوار الطبعي كما يمكن الأحذ، فإذا وقع الحوار فيه جاء كأنه مسرحي، وأنه مشابه للمديد، والمديد مشابه له، وفي كليهما صلابة تمنعهما أن يلينا لين المنسرح فيصلحا لما يصلح له من تأنث (١). وهذه الصفات التي ذكرناها جميعًا صفات سلبية. فإذا نظرنا إلى الناحية الإيجابية: وجدنا الخفيف مزيجًا من الرمل والمتقارب:

"فا فعولن فا فا فعولن فعولن" × ٢

فهذا يكسبه شيئًا من ملنخوليا الأول وشيئًا من تدفق الثاني وتلاحقه أنغامه. ويجعله ذا أسر قوي معتدل مع جلجلة لا تخفي. وقد كان كثير الاستعمال بين شعراء ربيعة والحيرة تجده في شعر المهلهل والحرث بن عباد وعدي بن زيد والأعشى، قليلًا بين شعراء مضر المغاربة حتى لا تكاد تجده في دواوين زهير والنابغة وعنترة. ولعل صلة هذا البحر القوية بالحيرة هي التي هيأته لأن يصلح للغناء والترقيق، لأن الحيرة كانت


(١) زعم بعض من تعقبوا أن نعتنا المنسرح بالتأنث ليس بالصواب ولله در الآخر إذ يقول:
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف

<<  <  ج: ص:  >  >>