للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدينة الحضارة في الجاهلية، وأسلوب عدي والأعشى والمهلهل من الرقة في جانب عظيم إذا وازنته بأساليب النابغة وزهير.

ولرسوخ الخفيف في الحضارة وقدمه فيها، وكثرة ما نظمه الجاهليون المشارقة فيه، صار من بحور الشعر المقدمات عند إسلاميي الحجاز، بل صار البحر الأول بلا ريب. ومما يجدر بالذكر هنا أن المشارقة المستمسكين بالنهج القديم الرصين أمثال جرير والفرزدق والأخطل تحاموه كأنهم عدوه مثل سائر بحور الترقيق الحجازية مع علمهم بأنه يصلح للتفخيم. وقد سبق إلى النظم فيه من شعراء الحجاز ومغرب الجزيرة حسان بن ثابت في قصيدة اللواء (١):

منع النوم بالعشاء الهموم ... وخيال إذا تغور النجوم

ومنها بيته المشهور:

لم تفتها شمس النهار بشيء ... غير أن الشباب ليس يدوم

وابنه عبد الرحمن بن حسان أو أبو دهبل الجمحي في كلمته (٢):

طال ليلي وبت كالمحزون ... ومللت الثواء في جيرون

وأطلت المقام بالشام حتى ... ظن أهل مرجمات الظنون

فبكت خشية التفرق جمل ... كبكاء القرين إثر القرين

وهي زهراء مثل لؤلؤة الغوا ... ص ميزت من جوهر مكنون

وإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناء من المكارم دون

ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء تمشي في مرمر مسنون

قبة من مراجل ضربوها ... عند أهل الشناء في قيطون (٣)


(١) سيرة ابن هشام ٣، خبر أحد.
(٢) الأغاني ٧: ١٢٢ - ١٢٣ و ١٢٧. والأبيات إلى ابن حسان، ولكن نسبتها إلى أبي دهبل. أرجح.
(٣) المراجل: ثياب يمنية. والقبطون ضرب من الخيام ههنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>