لتهجينها حتى لو وردت في شعر جاهلي قديم. وبحسبك أن تنظر إلى الدواوين القديمة التي تخرجها المطابع الآن، لتجد أن المحققين لا يكادون يحجمون عن تغير المصدر "صرم"، الكثير الورود في الشعر القديم بمعني الهجر، إلى المصدر "صرم" فرارًا من المعني القبيح، مع أن الصرم بفتح الصاد عند الأوائل كان يسري علي جملة القطع، لا على الهجر خاصة. وأحسب أن أدباء قبل خمسين عامًا لم يكونوا يجدون غضاضة في "صرم" الجاهلية، لجهلهم "بصرم" العامية. أما الآن، وقد استعارت دارجة الشوارع هذه اللفظية من الدراجة المصرية أو السورية، فجملة السودانيين يحسون نحو هذه لكلمة بنحو مما كان يشعر به ابن الأثير. وما قلناه عن "صرم" يصح أن يقال عن "كنيف" الجاهلية، بمعنى المكان الذي تكتنفه الأشجار أو نحوها، وعن "مستراح" بمعنى مكان الاستراحة، وهي الآن معناها المرحاض، وعن "نكح" بمعنى تزوج، وعن "أتى يأتي" إن ورد في نحو قول شوقي:
وطوي القرون القهقري حتى أن ... فرعون بين طعامه وشرابه
إن كان عامل تداعي المعاني أظهر في هذا الحرف الأخير من عامل التطور الزمني.
[الزمن وتطور الأخلاق]
الشعور الأخلاقي يتطور من عهد إلى عهد. فتسقط قيم، وترتفع قيم. وقد تبقي القيم في جوهرها واحدة دهورًا طويلة، ولكن مظاهر التعبير عنها تختلف وتتابين، خذ الفحش "بالمعنى الجنسي" مثلا. ما أحسبه إلا قد كان ممقوتا منذ زمن بعيد، وبين أمم عديدة. ولكن لا شيء أكثر تفاوتًا من الطرق التي يعبر بها الناس عن استنكارهم للفحش، منظر الفتيات العاريات الأفخاذ في البلاجات الحديثة فاحش جدًا في نظر الكثرة الكاثرة من المسلمين. والطريقة الصريحة التي يتحدث بها كثير من المسلمين عن بعض الأمور الجنسية فاحشة جدا في نظر فتيات البلاج من الإفرنج