للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنه يأتي بكل غريبة ... تروع على استغرابها وتهول

رمى الدرب بالجرد الجياد إلى العدا ... وما علموا أن السهام خيول

شوائل تشوال العقارب بالقنا ... لها مرح من تحته وصهيل

فاستعان أبو الطيب بذكر فضل سيف الدولة عليه أنه أتاح له أن يلقى الحبيب بدرب القلة فجعل ذكر ذلك الفضل سبيلا يخرج به إلى المدح. وهذا من رشيق تخلص أبي الطيب وأملئه بالعاطفة وحديث القلب. لعل أبا الطيب ما لقى بدرب القلة إلا تذكرًا قويًا لجمال الحبيب إذ طلعت الشمس في رونق من حسن الفجر كأنه علامة ممن أحب. وهذا المعنى على براعته وخفائه مولد من قول الأنصاري:

تبدت لنا كالشمس خلف غمامة ... بدا حاجب منها وضنت بحاجب

أم لعل أبا الطيب إنما رأى طيفًا عند تعريس المسافر؟

[وأعلم أيها القارئ الكريم أن من علامات نفس الشاعر ودلائله أشياء نذكر منها فيما يلي إن شاء الله]

أولًا: التسلسل:

وهو ضربان، ما كان في ضوء فكرة واضحة وما جيء به على سياق عادة الشعراء- ومرادنا بالتسلسل أن يتتابع الكلام تتابع عقد السلسلة، آخر ما تقدم منه منوط بما يليه، فمن أظهر ما يجيء من الضرب الأول ما تكون عليه صياغة كثير من القطع والقصائد القصار. فمن أمثلة القطع، قول قيس بن زهير:

تعلم أن خير الناس ميت ... على جفر الهباءة لا يريم

ولولا ظلمه لظللت أبكي ... عليه الدهر ما طلع النجوم

ولكن الفتى حمل بن بدر ... بغى والبغي مرتعه وخيم

أظن الحلم دل علي قومي ... وقد يستجهل الرجل الحليم

ومارست الرجال ومارسوني ... فمعوج علي ومستقيم

وأمر القطع واسع.

ومن أمثلة القصيدات القصار، قول تأبط شرًا يصف نجاته من هذيل على نحو شبيه بما نراه اليوم في مغامرات رعاة البقر، وكان تأبط شرًا مما يتزيد في أحاديثه عن نفسه،

<<  <  ج: ص:  >  >>