أليس البدو، أهل الفلوات العراض والتأمل الواسع، والخلوة الطويلة، من أقدر خلق الله على خلق الرموز وتقبلها، حتى إن أحدهم ليرمز إلى نفسه وآماله وآلامه بالناقة والظليم، فأي بدع إن جاء رجل منهم في آخر الزمان، ورمز إلى نفسه واضطرابها بدقات التقسيم؟
[التقسيم والموازنة]
في الدهر الأول، قبل أن تعرف العرب الوزن، كان التقسيم هو عماد النظم وفقاره، يأتي الناظم بكلامه قسيمًا قسيمًا، بحسب استراحات النفس، ووقفات اللسان، وتهدي الفكر. وكل قسم يأتي به، يمثل جملة، أو فقرة، أو دفعة من دُفعات التعبير. ثم يتعمد أن يكافئ ويؤاخي بين هذه الأقسام. وهذه المؤاخاة أو المكافأة، تنظر إلى الأقسام نظرة مزدوجة، طرف منها يبصر الأقسام من حيث إن كل واحد منها "كل"، ودعنا نُسمي هذا الطرف بالموازنة الكلية وطرف آخر يبصر أجزاء الأقسام وتفاصيلها، فيحاول أن يجعل بينها صلة، ودعنا نسمي هذا الموازنة الجزئية.
أما الموازنة الكلية فسبيلها في مؤاخاة الأقسام ومكافأتها، أن تُوجد بينما أحد هذه العناصر: