ومن أهم ظواهر "المودات" أبد الدهر أنها تثير حولها جدلًا كثيرًا. ولا يمكن
أن يقف المرء منها موقف المحايد. فأنت إما تعجبك الجمة الغلامية في شعور النساء، وإما لا، وإما تميل إلى "ذنب البطة" في رؤوس الرجال، وإما لا. والغريب في الأمر أن تحمسك لهذا أو ذاك يبوخ مرة واحدة بمجرد اختفاء "المودة". وكذلك تعصبك على هذا أو ذاك. فانظر كيف تعبث المودة بالعقول؟ وعل هذا أن يعين على تفهم أثرهم البليغ في الأدب، وعبثها بأساليبه وألفاظه، وتحكمها المفرط في أذواق المؤلفين والنقاد.
[المزاج والألفاظ]
المزاج فرع من البيئة، وهو خاص بالأفراد. وبما أن الأفراد يختلفون في الآراء والأهواء، وفي كثير من الطبائع والمشارب، سواءٌ أكانوا في عصر واحد، أم من طبقة واحد، أم من بلد واحد، أم من أب وأم وظروفٍ متشابهة كل التشابه، فالألفاظ تتأثر بهذا الاختلاف جدا. والعوامل النفسانية المتعددة كالشعور بالنقص، وكمحبة النفخ، والرغبة في الشذوذ، وكتداعي المعاني، وكانقسام الشخصية، على تفاوت كل ذلك في الضعف والقوة بحسب الأنفس الواقعة تحت تأثيره، يخلق أمزجة مختلفة في تذوق الألفاظ. كلمة "سلسل" قد تبدو لطيفة مليحة عندي أنا، ولكن آخر ممن لا يستطيع أن يصرف ذهنه عن "سلس البول" الذي مر به في دروس الفقه، قد لا يستحسنها. وكلمة شجاع قد يمر بها قارئ في موضع فلا يرى بها باسًا، ويراها آخر فتثير القيء في حلقه، والمرأة التي يدعوها زوجها "يا حبيبتي" و"روحي" في مقام التهكم، ربما تنفر من هذين اللفظين إن عرضا لها في شعر أو نثر. والخطام الذي يعجبه رسم الميم على الورقة، قد تروقه أمثال مكلوم ومحروم ومزكوم ومحزوم. وإن كان يجد عناء في رسم الدال، فربما يكره نحو: ودود، ومودة، ودار، ودهماء. وقد