للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتوضيح رأي في موضع دعا إلى ذلك- من أربعة أضرب، نذكرها موجزين إن شاء الله فيما يلي:

الضرب الأول:

«رومنسية» الدفاع عن القديم. وهذه يمثلها الرافعي ولها انعكاسات في الضرب الرابع وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله. وقوامها أنها تعتقد أن معاني التصوف وقدسية الجمال وحرارة الوجدان ورؤاه، كل ذلك لا نحتاج إلى أن نستعيره من أوربا. هو أصيل في حضارتنا وفي تصوفنا.

وكأن لونًا من رفض التفريج، ونزوعًا إلى إعادة المجد القديم كامن في هذا الموقف. هو موقف قبول تحد، وتحد ودفاع. وهو في جوانب كثيرة منه صادق روح التعبير عن غضبه المجتمعات العربية على عدوان الاستعمار، وغضبة المجتمعات الإسلامية على ما عرا أمة محمد صلى الله عليه وسلم من ضعف واستكانة وخمول.

وإنما ندخل هذا الضرب في عداد الرومنسية لنخرجه منها. وفيه من معادن أصالة البارودي، حب اللغة العربية، وتذوق رونق جزالتها وأسرها وصحة وجوه التعبير بها، ثم يفارقها في نوع خفي ملابس له من معاني عدم الثقة، يلتمس أن يعتذر لدى من لا يقبل له عذرًا وأن يجد مكانًا لدى من يعلم أنه ليس له بدار. وليس ذلك بضائره حقًا. إذ قد أصاب قدرًا صالحًا من مستوى الجودة والإبداع. إلا أن فيه فرط إغراب وعمل.

الضرب الثاني:

الرومنسية المسيحية العربية

وهذه التي يمثلها جبران وميخائيل نعيمة والمهجريون من بعد- وقوامها أمران: شعور قوي بالانتماء إلى دنيا الحضارة العصرية التي إنما هي حضارة مسيحية في غرب أوروبا وشرقها بين رومها وروسها وصقالبها وبلغارها وفرنجتها وفروع ذلك اللاتينية والسكسونية من وراء البحر الكبير- هذا الشعور بالانتماء المسيحي المتحضر القوي معه شعور بواقع الانتماء المر إلى دولة السلطان، وهي في مرحلة الغرغرة، والقومية التركية الناشئة إلى العرب بغيضة، وسلطان الإسلام إلى القلب المسيحي أبغض.

وشعور قوي بالانتماء إلى العرب والقومية العربية الناشئة، التي تبدو أنها هي أقرب بحكم وحدة اللغة ووحدة الجوار وطول المعايشة والنفور من تعزز قومية الترك الجديدة وتعاليها وجبرية سلطانها والرغبة في التحرر والتقدم العصري، الذي إنما يجاء به بالأخذ من أوروبا ومحاكاتها وأنهم بحكم الصلة المشتركة بينهم وبين مسلمي العرب

<<  <  ج: ص:  >  >>