وبينهم وبين مسيحية أوروبا، سيكونون في ذلك الوساطة الكبرى والوسيلة الأولى.
ومن هذين الشعورين تولد شعور قوي بالتماس مثل أعلى مشترك، يستمد من القومية العربية، ومن سماحة الدين الحنيف، ومن روحانية دين عيسى ورقة قلوب رهبانيته.
ولقد كان من المسلمين كما كان من المسيحيين دعاة لهذا اللقاء المتسامح المعتدل ويكفيك شاهدًا ما تجده كثيرًا عند شوقي -مثلاً- من لين القول ورقته عند ما يعرض لأمر المسيحية والمسيح عليه السلام. وأحسب إحدى طبعات الديوان الأول (دار الكتب، ١٩٤٥) وقع فيها خطأ في بيت الهمزية التي في أوله:
ولد الرفق يوم مولد عيسى ... والمروءات والهدى والحياء
إذ فيه موسى مكان عيسى وقد مر خبره عليه السلام، فلينظر.
وقد خيل أن مثل الانتماء المتبادل، الحرية المنشودة، ومعاني الإنسانية العليا في الحب والجمال، واستشعار نزعة إلحادية لا تنكر قداسة الدين ولكن تنفر من التعصب والقيود.
مد الأيدي إلى المجهول، التماس ملأ الروح بين الأزهار والأشجار ووحدة الوجود في شهود أسرار الطبيعة على النحو الذي عند وليم ورد زورث وشيلي وكيتس والرومانسيين الإنجليز أول الأمر، وعند أبي العلاء المعري الذي يقول:
خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
ويقول: اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا ... دين وآخر دين لا عقل له
ويقول: إن الشرائع ألقت بيننا إحنا ... وأورثتنا أفانين العداوات
من هذا المنطلق أو نحوه، بدأ جبران. وتلاه ميخائيل نعيمة. وتبع من بعد المهجريون. وصحب أدب الرومنسية المسيحية العربية جند دخيل جديد كثيف- ضعف في أساليب اللغة إذ لم يكن لجبران والمهجرين من علم العربية ما كان لليازجي، وما كان للعلماء اليسوعيين، إنما كان أكثرهم أولى ثقافة كسائر ما كانت عليه ثقافة الأفندية، ومنهم من كان حظه من اللغات الإفرنجية والعربية معًا ضئيلاً، ومنهم من كان ذا حظ من الثقافة الإفرنجية، وخلوا من العربية أو ضعيفًا. ولم يكن لأكثر هؤلاء رادع من مثل بلاغة العرب الأعلى وهو القرآن ثم ديباجة الشعر الرصين والنثر الرصين، فجسروا من استخدام جند التعبير الدخيل الهجين على شيء كثير.