عن عجز الشاعرين أن يوردا المقاطع التي تطابق ضربات ما أخذا فيه من وزن، اعتمادًا على خفاء العجز عن أذن السامع. كلا. ولكنا نرى أن طبيعة الصياغة الشعرية عندهما هي التي اقتضتهما أن يفعلا ما فعلاه. وكذلك يفعل كل شاعر. إذ لا تجد شاعرًا يجري ضربات وزنه مطابقة كل المطابقة لضربات التفعيلات النموذجية. وإنما يغير وينوع، فيطيل حينًا، ويقصر حينًا. والعروضي قد يعتذر له عن ذلك بأنه غير ناب عن الأذن وإن يك زحافًا. والعروضي يخطئ في هذا الاعتذار، إذ قد غاب عنه أن الشاعر إنما أراد ليسر الأذن لا مجرد ألا ينبو وزنه عنها. لا بل إنما أراد أن يستغل مادة الوزن النغمية في البحر الذي هو بصدده أتم استغلال، ويستخرج خبيء أسرارها ليُعبر به عن جانب هام من معانيه. ذلك بأن معاني الشاعر لا تعتمل كلها في نفسه ليكون تعبيرها من طريق اللفظ المبين، ولكن جانبًا كبيرًا منها يروم أن يكون تعبيره من طريق النغم والرنين. والزحاف من أكبر ما يستعين به الشاعر في هذا الباب.
[الحركات والسكنات والحروف]
على أن سكنات الزحاف وخلجات الاختلاس وضربات الوزن، كل ذلك لا يتضح اتضاحًا موسيقيًا حقًا إلا مع الحركات والسكنات وضروب اللين والإشباع والمد والشد والإمالة والإشمام والمخارج التي تخرج بها الحروف. ولا يسبقن إلى وهمك أن تربط هذا بكلمات الشاعر من حيث هي أدوات للبيان المحض، (ونعني بالبيان المحض مدلول القول الظاهر) فإن لهذه جميعها قوة تعبير نغمية، أدخل في حاق الوزن منها في الصياغة البيانية مع أن الكلمات نفسها أدخل في حاق الصياغة البيانية منها في الوزن.
ولأمر ما اختلفت رنات الشعراء في البحر؟ ؟ ؟ جسيمًا. هذا الفرزدق مثلاً, شاعر فحل مبين، قدير على ضبط الوزن وتنويع زحافه. ولكنه مع