ما يدل على صدق النظرية القائلة بحسن ذوات الكلمات وقبحها. ومثل هذا الاعتراض لا بد أن يجر إلى اعتراض آخر، وهكذا حتى نخوض ونلجج في بحر طويل عريض من السفسطة.
هذا، ومع أن نظرية عبد القاهر ليست دقيقة سليمة كل السلامة، كما بينت، فهي عندي أعمق غورا من نظرية ابن الأثير. لأن ابن الأثير لم يزد على أن قسم كل الموسوعة اللغوية إلى قسمين: حسن وقبيح. وبني كل ذلك على أساس واه سطحي جدًا. أما الجرحاني فقد تنبه إلى ما للتركيب والنظم من تأثير عظيم على رنين الكلمات، وموقعها من الأسماع والقلوب. وأكبر ما يؤاخذ به، هو أنه نسب كل حسن وقبح في الألفاظ إلى التركيب وحده. وحتى على تقدير أن الموسوعة اللغوية خالية مما يكد اللسان، وخالية من المألوف وغير المألوف، وما تفعله الكلمات فيه، منظومة ومفردة من تأثير. ولا شك أن الإنسان بطبيعته لا مفر له من أن ينفعل انفعالًا ما، نحو ما يقع في حيز إدراكه، والألفاظ المفردة، كالمنظومة، كلها واقعة في حيز الإدراك. وباختلاف الناس تختلف الانفعالات، ومن هنا يحدث التفاضل في الألفاظ المفردة، قبل أن يلحقها النظم، ولولا ذلك ما كان يجد ابن الأثير من يهتم بما ذكره، فضلا عن أن يؤيده.
[أصول الألفاظ]
الناظر في جملة الألفاظ المودعة في القواميس والدائرة على الألسن، يجدها من فصيلتين: فصيلة وصيفية، وأخرى رمزية. والنوع الوصفي من الألفاظ هو أيضًا من ضربين: ضرب محتفظ بوصفيته، وآخر كالفاقد لها، أو فقد لها بالكلية، وهذا يمكن إدخاله ضمن الفصيلة الرمزية. أما النوع المحتفظ بوصفيته، فهو نحو: زحير، وزفرة، وصهصلق، وأملس، وزمهرير. ونعني بالوصفية هنا: أن الواضع راعي في