والتكرار من هذا النوع كثيرٌ في قصائد المتنبي الوليات، ولا تخلو منه حتى بعض السيفيات. وقد عيب عليه، وعد من سقطاته. وعندي أن هذا الذي أخذ عليه إنما كان رياضة العبقرية، وتعلم الملكية، وحمل الطبع على مسلك صار فيما بعد سرا من أسرار إبداع المتنبي الذي لا يدفع، وأحسبني إن قلت إنه لم يبل
مبلغه في هذا المسلك أحد من المحدثين اللهم إلا المعري في بعض ما ذهب إليه على تكلف منه في ذلك والبحتري أحيانًا ما عدوت وجه الإنصاف.
[خلاصة]
١ - قد يجاء بالتكرار لمجرد إظهار النغم وتقويته. وأوضح ما يكون ذلك إن جيء بالبيت كاملا بعد فترات. وهذا طرازٌ من التأليف قد اندرس من النظم العربي. وقد أحياه بعض المعاصرين أمثال المهندس، نقلا عن الأشعار الغريبة التي لا تزال محتفظة بطابع إعادة البيت في كثير من منظوماتها.
٢ - والذي يدل على أن هذا الطراز كان موجودا في العربية واندرس عندما بلغت أشعارها ما بلغته من النضج والكمال في الوزن والقوافي، ما نجده من أنواع التكرار في بعض أشعار هذيل والمهلهل والحارث بن عباد، مما تكرر فيه أشطارٌ أو أجزاء من أشطار.
٣ - وفي شعر الشنفرى وتأبط شرًا وليلى الأخيلية وبعض أبيات امرئ القيس أنواعٌ من التكرار تحمل طابعا قديما يوحي أنها من بعض مخلفات نظام الإعادة الذي سبق نضج الوزن والقافية في الشعر العربي.
٤ - ويبدو أن الأنواع البديعية التي تسمى التصدير والتوشيح، وما إليها من ضروب التكرار المبنية على تردد كلمات في صدور الأبيات وأعجازها وقوافيها هي أيضًا بقايا من ذلك الأصل القديم.