وقد سبق أن فصلنا الحديث عن كل واحد منها في موضعه من هذا الكتاب. وإذا أخذنا -على سبيل التمثيل- بعض ما استشهدنا به سابقًا على الموازنة، مثل قول الأنصاري:
أنا جُذيلها المُحكك، وعُذيقها المرجب
وجدنا الموازنة الجزئية هنا في الجناس الازدواجي بين الجُذيل والعُذيق، والمحكك والمرجب، والموازنة الموضعية فيهما معًا، إذ الجُذيل والعُذيق خبران، والمحكك والمرجب صفتان. ومحل التكرار واضح في الآيتين اللتين استشهدنا بهما على الموازنة التدرجية. ومحل الطباق واضح أيضًا من قولهم:"الأخذ سريط، والقضاء ضُريط"، وبين الأخذ والقضاء موازنة موضعية، وبين السريط والضريط جناس ازدواجي، (وسجعي إذا اعتبرت السجع- وخير أن تتجاهله الآن، لأنا نتحدث عن عهد نحسب أنه لم يستعمل القوم فيه الأسجاع).
[تطور التقسيم والموازنة]
قلنا من قبل: إن أمر النظم العربي كله، كان يدور على الأقسام، والملاءمة بينها عن طريق الموازنة، حتى عُرفت القافية وعُرف الوزن، وصار الشعر محكمًا رصينًا، على النحو الذي نجده عند الأعشى والنابغة وزهير. ويخيل لي أن النظم قد مر بهذه الأطوار قبل أن يبلغ هذا المبلغ.
١ - كان الناظم يأتي بقسيم بعده قسيم، مراعيًا في ذلك الموازنة، من غير كبير نظر إلى السجع أو الوزن. وأمثلة هذا النوع كثيرة في أُخيات اللغة العربية، من اللغات السامية، كالعبرية مثلاً، وقد ذكرنا لك ما استشهد به "لُوث". ويشبهه مما وصلنا من كلام العرب، بعض ما ذكره الميداني في كتاب الأمثال، نحو: "إنا لتكشر