هذا ومن الأمور التي يفترقان فيها -أي أبو تمام وكلردج- زعم كلردج أن المنظومة الحقة لا تكون كلها شعرًا ولا ينبغي لها ذلك -وهذا باب أدخل في اللاهوتيات أو في ترف القول وسرفه منه في حاق النقد الذي يراد من معرفة وجوهه أن تستفاد المقدرة على تمييز الجيد من الرديء وإدراك المعاني والأساليب. ونأمل أن نعرض له في الموضع المناسب له، وننبه على أن مصدره من كلام ابن الباقلاني في إعجاز القرآن، أو ما يكون قد أخذ منه أو حذي على مثاله أو على تأثر قوي به، سنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى وبه التوفيق.
[خاتمة في الصياغة]
المطالع والمقاطع بينهما سائر النظم، وهو الرابط بين كل مطلع ومقطع، وسنتناول ذلك ببعض التفصيل عند الحديث على العنصرين الثالث والرابع من عناصر الوحدة الأربعة وهما الأغراض ونفس الشاعر، إن شاء الله. على أن بين أول القصيدة وآخرها، وكلا هذين الطرفين متضمنان فيه، أسلوبًا من الأداء نرى أن نختم به الحديث عن الصياغة، ومع العودة إلى التنبيه بين العناصر الأربعة من الوزن والصياغة والأغراض ونفس الشاعر، متداخلات متحدات إنما نفصل بينها من أجل التحليل وبيان ما نعتقده من ضرورة الدفاع عن طبيعة القصيدة والشعر العربي القديم دفاعًا لقيمة أول من كل شيء عن الاجتهاد في فهمه وتبين أسراره، إذ أكثر ما مني به في عصرنا هذا من هجوم وتحامل عليه مصدره الجهل.
تقدم منا القول في باب الإيقاع الخارجي «إن الغناء بالأصوات والألحان كان متممًا للشعر» ونريد ههنا أن نزعم أن الشاعر العربي كان يصوغ قصيدته كلها صياغة موسيقية الجوهر. أولًا الوزن وقد ذكرنا أن الأوزان ميادين لضروب من البيان. كل منها له ما يصلح له، ثم القافية قد ذكرنا أنها من معدن الوزن وبها يتم