يقوي هذا الذي نذهب إليه. ثم في قوله - وهو مقطع القصيدة- بعد هذين البيتين:
وما المرء ما دامت حشاشة نفسه ... بمدرك أطراف الخطوب ولا آلي
رجعة لا ريب فيها إلى المطلع حيث قال:
ألا انعم صباحًا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وهل يعممن إلا سعيدٌ مخلد ... قليل الهموم ما يبيت بأوجال
وليس المرء بمخلد، ولكنه ما دام حيًا، وفي حشاشته بقية فإنه يسعى ولا يألو ولكنه ليس بمدرك أطراف ما يؤمله، وكيف يدركهن، وفي إدراكهن السعادة، وليست السعادة من نصيب الإنسان، إنما نصيبه الحسرة والفناء والتعلل بالذكرى، وتحية الأطلال الباليات.
وحسبنا هذا القدر عن نموذج البادنة المتجردة كما جاء به امرؤ القيس ..
[نموذج بين بين]
وهو الذي يخلط فيه الشعراء بين أوصاف الخمصانة الشطبة والرعبوبة الفارهة. وأكثر ما يفعلونه في هذا الباب ذكر الخصر الناحل والكفل الثر. وقد ضربنا لك منه أمثلة في التمهيد الذي مهدنا به لمقاييس الجمال. ونكتفي ههنا بأن نذكر لك أبياتًا من ذي الرمة في بائيته المجمهرة- ذلك بأن الباب التالي سترد فيه أمثلة شديدة الصلة به قوية الدلالة عليه. ثم هو كثير في الشعر. وحتى هذه المقاربة التي يقاربها امرؤ القيس ببادنته من خمصانته، والنابغة بخمصانته من البدن، لا تخلو من معناه. وقد قدمنا لك أن هذا الخلط لم يكن منشؤه من حاق اضطراب أو خطأ في الذوق، ولكن من قصد إلى إبراز معنى الخفض والجمال، والنظر والوصال. وذو الرمة من أكثر الإسلاميين تقريًا لمذاهب الجاهليين وقد إلى تأويلها وقد بينا بعض هذا في