للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمام وأبو عبادة البحتري على حذر إزاء الذوق الذي كان يعاصرهما، وقد كان أبو تمام أعمد إلى أن يزاحف، وأجرأ فيما يجيء به. إلا أن البحتري كان أخبر بحيث ينبغي أن يقع. وقد كان المتنبي يعرض عن ظاهر الزحاف ألا الخرم وعسى أن يكون من أسباب ذلك أنه كان رجلاً مُحاربًا تُلتمس في أشعاره السقطات، فكان لا يألو تجويدًا، على أني أرجح أنه كان أميل بطبعه إلى الاندفاع والإقدام، فهذا مما كان يحول بينه وبين السكنات الطوال، وعسى أن يكون مذهبه في الخرم من دلائل إقدامه واندفاعه كقوله:

لا يحزن الله الأمير فإنني ... سآخذ من حالاته بنصيب

ويبدو لي أيضًا أنه قد استبدل ما يكون من سكنات الأوائل بالاختلاس. وهذا قد كان يقع في أشعارهم كالذي رواه سيبويه من قولهم (١):

له زجل كأنه صوت حاد ... إذا طلب الوسيقة أو زمير

ومن قولهم:

وأيقن أن الخيل إن تلتبس به ... يكن لفسيل النخل بعده آبر

[معنى الاختلاس]

والاختلاس كالزحاف سواء بسواء.

وأعجب للعروضيين، إذ لم يذكروه في باب الوزن ولعلهم اكتفوا بذكر النحويين له في باب إشباع الضمائر كالذي مر بك من استشهاد سيبويه. ولا ريب أن الاختلاس مذهب موسيقي صادق التعبير عن نفس المتنبي الساخن الجارف


(١) الكتاب-١ - ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>