للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعياء فجر فرسن كلامه جرًا ليكمل التفعيلة (١) وأحسب أنهم أرادوا هذا الاصطلاح أول الأمر لأمثال قول الأخطل:

مفترش كافتراش الليث كلكله ... لوقعة كائن فيها له جزر

وقول امرئ القيس:

ألا رب يوم لك منهن صالح ... ولا سيما يوم بدارة جُلجل

ثم اضطروا إلى إطلاقه على غيره مما يشبهه من مخالفة المقاطع للتفعيلات. الذي لا يظهر أمره لأذن العروض، كالذي يقع من الإضمار في الكامل، وشاهد العروضيين كما تعلم:

وإذا شربت فإنني مُستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يُكلم

وعندي أن نحو (مفترش) و (ألا رب يوم لك منهن) ليسا بأبعد من صحة النسبة الزمنية من (أخب فيها واضع). كل ما هناك أن السكتة بعد التاء من «مفترش» أدخل في حاق السكتة الموسيقية وأقعد في ذلك من أن يلوكها إخراج الكلام.

وقد كان القدماء من الشعراء يعرفون هذا ويدركون صحته وتلذهم حلاوته، إذ التعبير الموسيقي قد كان من ضمن تعبيرهم الشعري. أما المحدثون فقد بعدوا شيئًا من الفطرة العربية. إذ صار أمر الصناعة التي يدركها الحس اللامس والناظر أسرع إلى إعجابهم. وكان الإحكام، بملء كل فجوة في التفاعيل مما يجري مجرى الصناعة المرئية الملموسة فراموه. وبقي قليلون من أهل الذوق الأصيل يطلبون السر الكمين في موسيقا التفاعيل. كطلبهم إكمال الإيقاع المقطعي. من هؤلاء أبو


(١) على أن هذا الوصف نفسه لا يخلو من إدراك عميق لحقيقة الزحاف الموسيقية من جانبهم إذ كأنهم فطنوا إلى أن النغمة في ذات نفسها تامة وأن تلك المقاطع زاحفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>