ربما يحسن أن يقال بعد الكلام عن شوقي:«قطعت جهيزة قول كل خطيب» ولكن مثل هذا القول -على صدقه- لا ينصف عامة المعاصرين من الشعراء. والكامل عندهم من الأبحر الممل، ونظمهم فيه كثير، وطوالهم منه لا تكاد تحصى.
وحتى المهجريون الذين يتحامون طوال البحور تجد للكامل عندهم حظاً غير خسيس.
وشيخ المعاصرين بعد شوقي، حافظ إبراهيم. ولعل القارئ يقول لي: مالك لا تعد البارودي. وما ذلك من جهل بقدره، فقد كان أنصع ديباجة وأشد أسراً وأقدر على الموسيقا الشعرية من شوقي وحافظ كليهما. ولكني لا أعده من المعاصرين (١). ولو قد ذكرته للزمني أن أذكر معه الأرجاني والأبيوردي وعمارة اليمني وأسامة بن منقذ وغيرهم من فحول الشعراء الذين جاءوا بعد المتنبي، فالرجل منهم قلب وروح على تأخر عصره، ولعله أرصن منهم أداء. ولا يخفى على القارئ أن في استقصاء ما نظمه هؤلاء ما يذهب بأضعاف هذه الطروس. وقد احتسبنا من ذكرهم جميعاً فيما تقدم باختيار قطعة من الطغرائي.
وحافظ إبراهيم شاعر قرنه حسن الجد مع شوقي، وتعصب بعض الناس له، لما كانوا يجدونه في شعره من كلام يناسب روح العصر السياسي المغيظ على البريطانيين. وشعره في حد ذاته لا يجوز أن يقاس ويقرن مع شعر شوقي، ولعل مسافة بينه وبين شوقي أبعد من مسافة بين ابن حجاج والمتنبي.
والكامل من الأوزان التي لا يجيء فيها كلام حافظ قوي الشاعرية، على
(١) المراد من هذا إقصاء البارودي من دائرة المعاصرة من حيث اشتمالها على ضعف ما في الأسلوب ولا ريب أنه من بناة نهضة العربية في عصرنا الحديث.