للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[آراء القدماء في التقسيم]

لعل القارئ قد فطن أن التعريف الذي ذكرناه في التقسيم، يختلف كثيرًا عن تعريف القدماء له. والغالب على مذهب القدماء، أنهم لم ينظروا إلى التقسيم من حيث كونه أمرًا جرسبًا، ولكن من حيث كونه أمرًا يتعلق بالمعنى. وقد عرفه بعضهم بأنه "استقصاء الشاعر جميع أقسام ما ابتدأ به" (١) - روى ذلك ابن رشيق، وذكر شاهدًا عليه قول بشار بن برد:

بضرب يذوق الموت من ذاق طعمه ... ويدرك من نجى الفرار مثالبه

فراح فريقٌّ في الإسار ومثله ... قتيلٌ ومثل لاذ بالبحر هاربه

قال: "فالبيت الأول قسمان: إما موت، وإما حياة تورث عارًا ومثلبةً؛ والبيت الثاني ثلاثة أقسام: أسيرٌ، وقتيل، وهارب، فاستقصى جميع الأقسام" اهـ. وأقول لو جاز لنا أن نقبل هذا الذي ذكره ابن رشيق من تعريف التقسيم، للزمان أن نصف الكلام كله بأنه تقسيم، لأن صاحبه لا يخلو من طلب الاستقصاء، وتنويع وجوه الآراء. وهذا أمرٌ مركبٌ في طباع البشر، يستدل عليه بالمشاهدة. وقد تنبه ابن رشيق إلى هذا الضعف في التعريف الذي ذكره، فاستدرك بأن اشترط لجودة التقسيم أن يكون جامعًا لكل أقسام ما عليه مدار الحديث في المعاني، مثل قول أبي العتاهية:

وعلي من كفلي بكم ... قيدٌ وجامعةٌ وغل

قال: "فأتى على جميع ما يتخذ للمأسور والمجنون، ولم يبق قسمًا ... هذا وأمثاله فيما قدمت هو الجيد من التقسيم. وأما ما كان في بيتين أو ثلاثة، فغير عاجز عنه كثيرٌ من الناس" (٢). اهـ. وهذه الجملة الأخيرة هي محل استشهاد من حديث ابن رشيق.


(١) راجع العمدة ٢: ٢٠.
(٢) نفسه ٢: ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>