الشطر قطعة كلامية وافيةً، لا محل للوقف في وسطها، ولا بد من الوقف عند آخرها، لكان باب التقسيم في دراسة الشعر باطلًا، لا حاجة إليه. ولكن الشعر لا يجيء كله كبيت المتنبي المتمثل به هنا، بل الغالب عليه أن يكون حرف الروي موقفًا، وما سواه من حشو الأبيات وعروضها تحت تصرف الشاعر، إن شاء جعله محل وقف للسان، وإن شاء لم يفعل.
وإذ قد كان الشاعر حر التصرف في أن يضع مواقف اللسان، واستراحات المتكلم حيث شاء من البيت، فان هذا التصرف من جهته، يدخل في الشعر عنصرًا مهما للغاية، هو ما نرى أن نسميه المقابلة التقسيمية: أي المقابلة بين دقات الوزن، ودقات المواقف والاستراحة للسان. وآمل ألا يلتبس على القارئ أمر المقابلة التقسيمية بما ذكرناه في أول حديثنا عن الانسجام، وذكرنا أن النقاد الإنجليز يسمونه: Counterpoint أو المقابلة اللفظية. فالمقابلة اللفظية تكون بين جرس التلفظ، وجرس النغم الوزني المجرد، والمقابلة التقسيمية شيءٌ بينهما، يربط بين تياريهما المتوازن، ويعين السمع على إدراك عنصر الانسجام الكامن فيهما؛ لأن كل موقف يقفه اللسان، إما يخالف موضع الوقف الموسيقي، نحو:"فعولن مفاعلين" من أجزاء الطويل، و "متفاعلن" من أجزاء الكامل، وإما أن يباريه. فان خالفه، أظهر الانسجام بين عنصري التلفظ والمذهب التكلمي (١) إلى جهة أخرى، وكلا الجهتين محصورتان في دائرة الوزن، مسيرتان في طريقه، تلتقيان عند نهايته. وإن وافقه كانت الموافقة من نفسها كافية لإبراز الانسجام.