قال تعالى جل من قائل في كتابه المحكم العزيز:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
ومما حفظ به كتاب الله عرفان العربية وتذوق جزالة أساليبها، وكان من كبار علماء اللغة والنحو والأدب حفظة لكتاب الله أخذت عنهم القراءة والرواية والتفسير كأبي عمرو بن العلاء والكسائي وقالون فقد ذكروا أنه كان نحوي المدينة على زمانه وهو تلميذ نافع والأصمعي، وكان من رواة قراءة نافع، والفراء وأبي عبيدة ومكانهما في معاني القرآن ومجازه وتفسيره غير خاف. وكان الطبري محمد بن جرير مقدمًا في النحو والعربية وهو من حفظة الكتاب العزاز قراءة وتفسيرًا. وكان ابن جني صاحب الخصائص وراوية أبي الطيب هو أيضًا صاحب المحتسب الذي إنما هو حاشية وشرح موجز جيد وتعليق على كتاب السبعة لابن مجاهد. والأمثلة في هذا الباب أكثر من أن تحصر وتحصى.
ولأمر ما كثر استشهاد أهل التفسير بالشعر الصحيح من لدن ابن عباس رضي الله عنهما إلى زمان أبي عبيدة والفراء ومن بعدهما. من ذلك أن الشعر الصحيح الجزل فيه روح البيان العربي. وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين. وقال تعالى:{إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون}[يوسف] وقال تعالى: {إنا جعلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون}[الزخرف] وقال تعالى: {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين}[الشعراء].
وبعض أهل السفسطة ربما زعم أن من ألفاظ القرآن ما ليس بعربي وهذا هو الضلال المبين. ولو سلمنا جدلًا أن أمثال استبرق من ألفاظ القرآن لسن عربيات، فماذا عسى أن يستنتج من ذلك مستنتج أوردو كلمة الون في شعر الأعشى يجعله فارسيًا، وذلك حيث قال:
بالون يضرب لي يهز الإصبعا
أو مجيء كلمة الكرد في قول الفرزدق
وكنا إذا الجبار صعر خده ... ضربناه فوق الأنثيين على الكرد