والحديث عن الحركات واللين والإشباع والمخارج يؤدي بنا إلى الحديث عن القافية لا محالة. ذلك بأن الحركات تنزل من ضربات الوزن منزلة الحدة والارتفاع والانخفاض في الضربة الموسيقية. والمخرج ينزل منزل الصوت الذي تُؤدى به الضربة. والقافية في الوزن العربي إن هي إلا رمز جامع بين عمل الحركة وعمل المخرج وضربة الوزن.
[القافية]
الذي عندي، أن الشاعر العربي إنما عمد إلى القافية فقرنها بالوزن ليُضفي عليه صبغًا نغميًا، متى اصطبغ الوزن به صار أكثر تهيؤًا لأداء ما يختلج في صدره من معان. وإن جاز لنا أن نشبه أبعاد الوزن ونسبه الزمانية برنات متناسبة، فإن موقع القافية من هذه الرنات شبيه بموقع الكثافة من رنات الموسيقا، مثلاً الشدة التي تُشد عليها أوتار العود قطعة ما، وللزيادة في توضيح هذا المعنى نضرب لك أمثالاً أخرى: خذ دقات الطبل ودقات القدم على الأرض، والنقر على النحاس، والنقر على قرع مُكفا على وجه الماء. والصفير المتلاحق على هيئة دقات، كل أولئك لهن طبائع صوتية متباينة، أو قل لهن كثافات صوتية متباينة، وإذا فرضنا الشبه الزمني الكامل في جميع هذه الدقات فإن الوزن المجرد المبني عليه التناسب الزمني فيهن جميعًا، واحد وليس فيه أدنى تفاوت. وهذا التناسب الزمني المجرد أشبه شيء بأعاريض الشعر الكامنة وراء إرزام الشاعر.