ثم جاء ببيت الختام يرتاح به كما صنع علقمة:
ها إن تا عذرة إن لا تكن نفعت ... فإن صاحبها قد تاه في البلد
وهو يعلم أنه لم يته ولكن بلغ النعمان وأبلغه
وحسبنا هنا هذان الشاهدان في التسلسل على حسب سياق عادة الشعراء في القصائد ذوات الطول.
وقولنا عادة الشعراء مأخوذ من عبارة الجاحظ إذ أشار إلى أن الشعراء تجعل الكلاب تقتل الثور في الرثاء ما أشبه وتجعل الثور يقتلها في المدح وما أشبه، وقد سبقت الإشارة إلى هذا القول من قبل، وعن الجاحظ أخذه ابن رشيق وهدك من ناقد.
ونحيل القارئ بعد على قصائد أخر فيها مثل هذا التسلسل أو قريب منه، منهن مثلا لامية عبدة بن الطبيب:
هل حبل خولة بعد الهجر موصول
على ما في آخرها من مشابهة ميمية علقمة.
وقصيدتا بشر الميمية الوافرية وأختها الرائية وكلتاهما مفضلية وقد اختصر الأجزاء في الميمية حتى كأن قد وثب من جزء والتسلسل مع ذلك لا يخفى، وقد اكتفى بحركة الحرب في الأنباء عن الرحلة في الرائية، وأطال شيئًا في مقدمة النسيب، ومذهب بشر في كلتا القصيدتين يشبهه كثيرًا مذهب أصحاب النقائض ومذهب جرير والفرزدق من بعد.
ودالية ربيعة بن مقروم المادحة الطنانة:
بانت سعاد فأمسى القلب معمودا
من ذوات التسلسل وقد مر عنها الحديث
وليقس ما لم يقل.
ثانيًا: التدرج
التدرج ضرب من التسلسل إلا أن الانحدار درجة درجة أو الإصعاد درجة درجة أظهر فيه من اتصال آخر حلقة من الكلام بما يليها. ونعيد ما قلناه مرارًا قبل من أن الشعر تتداخل أصنافه، وكما قد رأيت من تداخل صنفي التسلسل، كذلك يدخل فيهما التدرج إن عن لشاعر إيراد ما يقوله عليه عفوًا أو عن تعمد.
والتدرج منه محض ومنه ما يساق على طريقة عادة الشعراء فمن أمثلة التدرج المحض كلمة سلامة بن جندل: