لا يعقل من مثله خوف الفقر فقد كان سيدًا في قومه ذا مال، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه باعتاق البدنات يُؤكد ذلك.
وبعد فما سقنا لك هذا التمهيد إلا من أجل أن نثبت عندك مرادنا من قولنا الرمزية المحضة- وذلك أنها تتضمن أغراضًا وثيقة الارتباط بعقائد الجاهليين الأولين في تقديس الأنثى وتأليه الخصوبة، وهذا التقديس والتأليه يدخلان في مضمون النسيب خفية فيحدثان فيه إيحاء بروح أخاذ من نوع العبادة الغامضة. وهذه العبادة الغامضة فيها بلا شك ألوان من اشتهاء للحياة وتجريد لحاق الذات ثم إلقاء لها على مظاهر ما يشتهي حتى يسهل التغني به. والله أعلم.
[رموز الأنثى ورمزيتها]
هذا، وقد كان الجاهليون يمثلون ما يؤلهونه من ذكور وإناث بصور الرجال والنساء، ثم بصور الحيوان الذي يتمثلون معناه فيما يؤلهون، كالذي ذكره الزمشخري في تفسير سورة نوح من أن ودًا كان على هيئة رجل وأن سواعًا كان على هيئة امرأة وأن يغوث كان على هيئة أسد وأن يعوق كان على هيئة فرس وأن نسرًا كان على هيئة نسر. وقد زعم بعض المفسرين أن جميع هؤلاء كانوا بشرًا صالحين من ولد آدم ثم ألهم الناس من بعد.
هذا، ويبدو أن العرب لضعفها في الصناعة عدلت عن تمثيل الآلهة بما يشبهها من الصور إلى مجرد الرمز لها بالأصنام، تقام من الحجر والطين والخشب (١). وهذا
(١) ذكر ابن الكلبي- كتاب الأصنام، تحقيق أحمد زكي باشا، مصر، ١٩٢٤، ص ٢٨ أن هبل صنم قريش قد كان «من عقيق أحمر على صورة الإنسان، مكسور اليد اليمنى، أدركته قريش كذلك، فجعلوا له يدًا من ذهب» وقوله: «أدركته قريش كذلك» يدل على أنها لم تصنعه والراجح أنه استجلب من الشام، مما صنعه الروم، من شواهد ذلك كسر اليد. وهذا من طريقة الروم في صنع التماثيل. وخبر عمرو بن لحى في كتاب الأصنام يدل على هذا (ص ٨ نفسه).