للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى سن السادسة. وإنما كانت الحامل تسارع بقتل ابنتها ساعة ميلادها. قال الزمخشري (١): «وقيل كانت الحامل إذا أقربت حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة، فإذا ولدت بنتًا رمت بها في الحفرة، وإن ولدت ابنًا حبسته». وأحسب أن نحوًا من هذا كانت تفعله الحوامل بالذكور بما يلدن، في سنوات الجدب، وحين يخفن الفقر. وقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} فيه معنى الإطلاق على النوعين كما ترى.

هذا، وكما بطلت تضحية الذكور من طريق الفدية، جعلت تضحية الإناث تأخذ في سبيل البطلان، قبيل الإسلام، من طريق الفدية أيضًا. من ذلك ما رووه من قصة صعصعة بن ناجية جد الفرزدق أنه كان يفدي من يراد وأدهن من البنات بالإبل. وافتخر الفرزدق في الإسلام بذلك فقال:

ومنا الذي منع الوائدات ... وأحيا الوئيد فلم تُوأد

ويشتم من بيت الفرزدق أنه عنى الحوامل اللاتي كن يقبرن ما يلدن من بنات ساعة مولدهن. أم لعله كانت النساء تحتفل بوأد الموؤدات، كما يحتفلن بالعرائس، فمن أجل ذلك سماهن الفرزدق بالوائدات؟ وهذا باب تحقيقه يطول، وغير هذا الموضع أشبه به.

وفي تفسير الطبري: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال ثنا ابن ثور عن معمر، عن قتادة، قال «جاء قيس بن عاصم التميمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني وأدت ثماني بنات في الجاهلية. قال فأعتق عن كل واحدة بدنة (٢)». وفي هذا كما ترى من معنى الفدية ما فيه، كأنه صلى الله عليه وسلم إن صح هذا الحديث جعل ذلك بمنزلة الكفارة لما سبق من إثم الجاهلية. ولا ريب أن قيسا ضحى بناته تقربًا للآلهة إذ


(١) ٤ - ١٨٨.
(٢) نفسه ٣٠ - ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>