للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويبدو أن الوأد كان في البدء طريقة وثنية في تقريب الأنثى، كما كان الذبح على الصفا طريقتهم في تقريب الذكر. وروى الزمخشري في تفسير التكوير: «كان الرجل إذا ولدت له بنت فأراد أن يستحييها ألبسها جُبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية. وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية فيقول لأمها طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئرًا في الصحراء، فيبلغ بها البئر فيقول لها انظري ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تستوي البئر بالأرض (١)».

ولا يخفى ما في هذه الطريقة من مراسيم العبادة. فالتي تلبس الصوف والشعر يبغي أبوها أن يلبس على الآلهة أمرها، إذ كأنه يزعم بما يصنعه بها للآلهة أنها أمة لا تستأهل أن تقرب، وأنها له من دونهم. وأما الأخرى فإنه يحسن إليها ويدعها كما ترى حتى تقارب أن تصلح عروسًا على طريق التشبيه والتمثيل، فيزفها إلى الآلهة كما تزف العروس. وفي هذا من المشاكلة لما كان يصنعه قدماء الفراعنة بعرائس النيل ما فيه.

وجلى أن مثل هذا التقريب المُتأتى له، الذي وصفه الزمخشري، إنما هو وثني ديني محض، لا يفعله فاعله من خوف الفقر، بدليل الاحتفال بتزيين الموؤدة، وفيه من كلفة النفقة ما فيه. وقد فطن القدماء من أهل الحديث إلى هذا الجانب الوثني في الوأد. قال الطبري: «حدثنا بشر، قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة: وإذا الموؤدة سئلت هي في بعض القراءات، سألت بأي ذنب قتلت؟ لا بذنب. كان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته، ويغذو كلبه، فعاب الله ذلك عليهم (٢)».

وقتل البنات من خوف الإملاق لم يكن يُتأتى له بما تقدم من التزيين والتأجيل


(١) الزمخشري، الكشاف، مصطفى محمد، ١٣٥٤ هـ-٤ - ١٨٨.
(٢) الطبري، ٣٠ - ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>