للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال زهير يصف الصقر:

فزل عنها وأوفى رأس مرقبة ... كمنصف العتر دمى رأسه النسك

ومنصب العتر هو الحجر الذي كانت تذبح عليه العتائر.

هذا وقد بقيت من تراث القربان البشري بالذكور من الأولاد بقايا إلى قريب من عهد الإسلام. من ذلك ما يروى من نذر عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذبح أحد أبنائه، إذ بلغوا عشرة، فوقعت القرعة على عبد الله، فأبت قريش على عبد المطلب أن يفي بنذره، فانطلق إلى عرافة بخيبر فأشارت عليه بالفدية ففداه بمائة من الإبل (١).

وفي خبر هند إذ لاكت كبد حمزة ما يشعرك بلون من العبادة الوثنية. ولا أستبعد أن تكون هند عدّت في نفسها حمزة قربانًا مقدسًا، ونالت من كبده لتصل إلى بعض حيويته إذ كان رجلاً مشهورًا بالنجدة والشجاعة.

هذا وكما ذهب العامل الاقتصادي أو كاد بتضحية الذكور من البنين وأدى إلى استبدالها بالفدي في القرابين والعتائر والنسك من الأنعام والظباء، قال كعب بن زهير:

فما عتر الظباء بحي كعب ... ولا الخمسون قصر طالبوها (٢)

كان ذا أثر فعال في الاحتفاظ بتضحية البنات إلى أيام البعثة، وذلك كما قدمنا لضعفهن عن القتال وكونهن أبدًا عبئًا وعالة في جدب الصحراء.


(١) سيرة ابن هشام ١ - ١٦٤ - ١٦٨. ويريبني كون الكاهنة من خيبر التي كانت من قرى يهود. فهل كانت يهودية؟ وهل كان بعض أهل الكتاب يقومون مقام الكهان بين العرب، أم هل استشعروا وثنية العرب؟ أم كانوا عربًا فتهودوا ودخلت بينهم أخلاط من سنخ يهود وعلقت بهم مع هذا بقايا من الوثنية العربية؟
(٢) هذا البيت يقوله كعب بن زهير في رجل يدعى جؤيا قتل، ونذر قبل موته أن يقتل قومه به خمسين من أعدائه. ويبدو أنه كان من عادة العرب إن لم يوف مثل هذا النذر أو أن أحست القبيلة أنه عبء عليها، أن يعتروا من الظباء ما يحللونه به- وهذا بلا ريب من قبيل استبدال الضحايا البشرية بالفدية والبيت من أبيات الحماسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>