للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال في كلمة أخرى وصرح باسم الحمامة:

وذكرني بُكاي على تليد ... حمامة مر جاوبت الحماما

تُرجع منطقًا عجبًا وأوفت ... كنائحة أتت نوحًا قيامًا

تُنادي ساق حر وظلت أدعو ... تليدًا لا تبين به الكلاما

لعلك هالك إما غلام ... تبوأ من شمنصير مُقامًا

وصخر الغي أسلي فؤادًا ههنا في الدالية، ونظره إلى الحمام هنا أكثر من نظره إلى نفسه. هذا وفي قول صخر «لا تبين به الكلاما» إشارة إلى الأسطورة الهديلية، يعني أنها لا تقدر أن تفصح باسم فرخها الذي ثكلته، ولكنها تقول «ساق حر» وهو حكاية صوتها. ومما يجري مجرى الثكل ومرده إلى الأصل الهديلي بكاء العشاق، كقول عبد الله بن أبي بكر لما طلق امرأته وندم على فراقها (الحيوان ٣ - ١٩٩):

فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير جُرم تُطلق

أعاتك لا أنساك ما هبت الصبا ... وما ناح قُمري الحمام المطوق

وقول جميل:

أيبكي حمام الأيك من فقد إلفه ... وأصبر مالي عن بُثينة من صبر

وباب العشق مما يتسع، وتلتقي فيه سائر ضروب الرمزية الحمامية والأصول التي قدمنا لك عنها الحديث.

[الحمامة وبكاء العشاق]

أكثر ما ذكرت العرب الحمامة في باب التشبيه بسرعتها، وهذا وثيق الصلة برمزيتي الأصلين النوحي واليمامي، وما يتعلق بهما من معاني السقيا والنجاء والرجاء وخفة الحركة ورشاقتها وبعد مرمى النظر، وفي باب الرثاء وهذا هديلي الأصل، وقد قدمنا لك منه أمثلة، وفي باب العشق، وهو الباب الجامع وسترد عليك منه أشياء في

<<  <  ج: ص:  >  >>