الحديث عن المنسرح واستشهدنا ثم على ما يكون في المناخات من التبرج بأبيات الربيع بن زياد العبسي:
من كان مسرورًا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرًا يبكينه ... يلطمن أوجههن بالأسحار
قد كن يخبأن الوجوه تسترًا ... فاليوم حين برزن للنظار
وأكاد أزعم أن ما يذكرونه من بكاء الثكلى وحزنها، حتى هو، لا يخلو من عناصر الغزل والجنس والخصوبة في بعض مظاهرها الحرار، ومن أجل هذا، فيما أرى، جاز بدء بعض الرثاء بالنسيب كقول دريد بن الصمة في مستهل رثائه لأخيه «أرث جديد الحبل من أم معبد»، وقول الهذلي، وهو ما يجري مجرى النسيب:
يا مي أن تفقدي قومًا ولدتهم ... أو تخلسيهم فإن الدهر خلاس
وقال صخر الغي يرثي ابنه تليدًا ويذكر الحمامة وثكلها:
وما إن صوت نائحة بليل ... بسبلل لا تنام مع الهجود
تجهنا غاديين فساءلتني ... بواحدها وأسأل عن تليدي
فقلت لها فأما ساق حر ... فبان مع الأوائل من ثمود
وقالت لن ترى أبدًا تليدًا ... بعينك آخر الدهر الجديد
كلانا رد صاحبه بيأس ... وتأنيب ووجدان بعيد
وألفت القارئ إلى البيت الأول، فلا يعقل أن تكون النائحة فيه حمامة لأن الحمام ينوح بالأصائل والضحا، وإنما البوم هن نوائح الليل، ولا شك أن مراد صخر أن يصف ثكلى ساهرة لعلها أم تليد. ثم لما حولها حمامة جعل لقاءه اياها بالغداة فذلك قوله:«تجهنا غاديين».