جعلنا هذين البابين معًا لأن الفصل بينهما قد يقبح معه التكلف. ومرادنا بالغزل ما يطلق عليه المعاصرون لفظ «الجنس» وهو لفظ قد سار ولا أحبه ولا يخلو من قذع، ومع هذا فلفظ الغزل غير دال كل الدلالة عليه. ومرادنا بالنعت ما يكون من أوصاف النساء في ضوء المقاييس الجمالية التي يتواضع عليها المجتمع ولا سيما عند أصحاب الفن والذوق.
وقد كانت العرب أمة غزلة. ولا نريد أن نخرج بعد إلى دعوى من دعاوي العصبية لا تقوم على أساس من منطق، إذ قلت أمة لا تدعي لرجالها أنهم أفحل الرجال، ولنسائها أنهن أجمل النساء، ولبيانها أنه أنصع البيان. وحقيقة الغزل انه اشتهاء وبينٌ، ثم تعبير عما يكون من تمازج نازع الاشتهاء ووازع البين. وهذا التعبير في الغالب شكوى من الحرمان وتعز بذكرى منالة كانت أو متوهمة، وإيحاء بما يلابس هذين من يأس أو تأميل. وأزعم أنه كلما زاد الحرمان في حدود الإمكان، كان ذلك أشد للوعة وأنطق بها، وأقول في حدود الإمكان، لأنه مع الاستحالة القاطعة يكون اليأس القاطع، ومع اليأس القاطع تكون البغضاء. وقد فطنت شعراء العرب لهذا المعنى، فادعوه في مخاطبة المحبوب على وجه الوعيد والحزم في سياسة الهوى. قال لبيد:
فاقطع لبانة من تعرض وصله ... ولشر واصل خلة صرامها
ولقد كان ما يزيد به الحرمان عند العرب كثيرًا. ذلك بأن البيئة العربية