صلابة ورصانة، لاتجهت معه، وفارقت الوزن. وبعد أن كانت إنما تحرص على الملاءمة بين قسِيم وقسيم، صار يهمها أن تلائم بين شطر وشطر، وبيت وبيت، وإن شاء التقسيم جاء يخدم بين يديها، ويعينها، فيما تفعل، وإن لم يشأ، طرحته جانبًا، ومضت في سبيلها.
ويصح لنا أن نصف الموازنة، بعد دخول الوزن والقافية في الشعر، بأنها ذلك الوسيط الموسيقى المعنوي، الذي يؤلف بين أطراف الوحدات والتنويع في الكلام، من طباق وتكرار وجناس، وتقسيم واضح وتقسيم خفي، وتقسيم مرصع وتقسيم مقطع، ويجعلها كلها متلائمة متماسكة، مفصحة بالانسجام التام، ولو جاز لنا أن نستعير تشبيهًا من العقيدة المسيحية، فالانسجام بمنزلة الأب، والنظم، بوزنه وجناسه وطباقه وتكراره وتقسيمه ومقابلته، بمنزلة الابن، والموازنة بمنزلة الروح القدس. تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
[تعقد الموازنة في الشعر العربي]
وبافتراق الموازنة والتقسيم، وتفرد الموازنة وحدها بأمر التوفيق بين أطراف النظم، واعتمادها على أن تبرز في الملاءمة بين شطر وشطر، وبيت وبيت، وفي ما تتكون منه الأبيات والأشطار، تعقدت الضروب المؤلفة للانسجام في جرس الشعر العربي تعقدًا شديدًا؛ فهناك الضرب الذي تحدث فيه الموازنة، من مقابلة تركيب بتركيب أو مجانستهما، وهناك الموازنة التي تكون بين قسيم وقسيم، وهناك الموازنة التي تكون بين أجزاء التفعيلات في البيت، من دون نظر إلى الأقسام والمواقف. وكل هذه الأشياء، تجتمع معًا في حيز وزن البيت، وقد تتجاوزه إلى جزء من القصيدة مكون من بيتين أو أكثر؛ وكل هذا يجعل النظم العربي، غاية في النضج تتجاوب فيه الأصداء، بعضها يتحدث من وراء عهد عاد، وبعضها يشع بنور الحضارة العباسية.