للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صخر والخنساء. وقد اعتمد الشاعر، وهو ممن كانوا يعرفون الوزن التام، في صياغته على سجعتين متوازنتين، وازدواج غير مسجوع. ومثل هذا قوله:

له قُصريًا عير

وساقا نعامه

كفحل الهجان

ينتحي للعضيض

وإذ قد وضح هذا، تبينًا خطأ أبي هلال العسكري الفاحش، في نقده لأبيات أبي صخر وأبي المثلم والخنساء، حين حكم ذوقه العباسي، وجعل يتحذلق، فيزعم أن "تعنيه أسفار" و"سرحان فتيان" أقسام قلقة غير مطمئنة. ولو قد كان أدرك أنها أشطار، لا بل أبيات كل بيت منها قائم بنفسه، لم يُجسر على هذه المقالة.

افتراق التقسيم والموازنة:

كان التقسيم والموازنة، حتى المرحلة الخامسة من المراحل التي قدمناها، متساوقين تساوق الشمس وضوئها؛ الموازنة الشمس، والتقسيم ضوؤها، ومرتبطين ارتباط الهيولي والصورة؛ الموازنة الهيولي، والتقسيم هيئتها، وكان بينها من النسب والقرب ما بين الطباق الكلي والطباق الجزئي. ولو قد وقف النظم عند المرحلة الخامسة ولم يجاوزها، لغبر التقسيم والموازنة يتسايران طوال الدهر. ولكن النظم كما رأيت، اكتشف الوزن، وأقبل عليه أول الأمر حذرًا فرقًا، يتوكأ على التقسيم. ثم ألقى بالتقسيم إلى جانب، وطلب توحيد البيت وإحكامه، وإجادة سبكه.

والموازنة خل لا وفاء عنده، فهي على طول ما صاحبت التقسيم، لم تكن تضمر له من الود، وصدق العلاقة، ما كانت تضمر للنظم. فحين اتجه النظم إلى الوزن، اتجهت معه إليه. ولو قد تجاوز النظم الوزن إلى طراز أنضج منه، وأشد

<<  <  ج: ص:  >  >>