للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ساء مثلًا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون} [الأعراف] فيذكر أن هذه الآيات نزلت في أمره وقيل غير ذلك. فإن تكن في أمره فهو خبر قاطع في هلاكه وما كان قوله الذي قال إلا لهثًا لهث به، كما يلهث الكلب، ونعوذ بالله من سوء المنقلب.

طور السياسة

هذا هو الطور الثاني من أطوار المدحة النبوية. وغير خاف أن الطور الأول منه جانب سياسي - إلا أن جانب التعبد والجهاد لإعلاء كلمة الدين هو المعنى والمقصد الأول، وما سواه فرع منه، إذ لم تكن السياسة نفسها آنئد إلا فرعًا من إقامة الدعوة - ومما يشهد بهذا ما مر من كلام حسان رضي الله عنه في الهمزية وكلام ابن رواحة رضي الله عنه. ونحو قول كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم في سورة التوبة، رضي الله عنه: -

نطيع نبينا ونطيع ربا ... هو الرحمن كان بنا رؤوفا

فإن تلقوا إلينا السلم نقبل ... ونجعلكم لنا عضدًا وريفا

وإن تأبوا نجاهدكم ونصبر ... ولا يك أمرنا عشًا ضعيفا

واختلاف هذا الطور عما قبله كامن في أن مدح الرسول صلى الله عليه وسلم مراد به جانب نصر دعوة سياسية بعينها، هي دعوة آل البيت وشيعتهم الذين كانوا يرون أن الإمامة لا تكون في حي سواهم إلا غصبًا إذ هم أهل الحق.

مدح الرسول صلى الله عليه وسلم في شعر هؤلاء كان مذهوبًا به مذهب الاستنجاد بدعاء يتوسلون فيه به لينصرهم الله على من غصبوا آله حقهم، فهذا جانب ديني تعبدي، وكان مذهوبًا به أيضًا مذهب استنهاض همم المسلمين لرعاية حقه ومن حقه أن يحفظوا عهد الله إليهم في آله إذ قال سبحانه وتعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى} - وأن يحاربوا من حاربهم، وألا يروا أحدًا صالحًا للإمامة غيرهم وهلم جرا، فكل هذا جوانب سياسية.

<<  <  ج: ص:  >  >>