للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مراد به التعبد لا اللهو إذ لا يخفى أن استقباله صلى الله عليه وسلم والابتهاج به عبادة. وكذلك قول النساء والصبيان في استقباله بالنشيد:

طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع

وقد سبقت الإشارة إلى وضوح معاني التعبد في شعر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه نحو قوله:

الأهم أن الأجر أجر الآخرة ... فارض عن الأنصار والمهاجرة

ونحو: لاهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا

ونحو: خلوا بني الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير في رسوله

وقد حفظ له رجز بمؤته وبيده الراية حتى استشهد:

أقسمت يا نفس لتنزلنه ... طائعة أو لتكرهنه

إن أجلب القوم وشدوا الرنة ... مالي أراك تكرهين الجنة

وكما قدمنا لم يكن شعراء المشركين ليستطيعوا هذا المسلك، وإنما كانوا ينطقون بلسان الملأ من قريش، وهؤلاء كانوا أهل حمية لا دين. قال تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصديةً فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} [الأنفال].

إلا ما كان من أمر أمية بن أبي الصلت الثقفي، وكان امرأ منافقًا، كفر قلبه وآمن لسانه. وشعره الذي يتدين به، من أجل ذلك، خال من حرارة أنفاس الإيمان الصادر عن القلب. ولعل آخر كلمة له مما رووه من كلامه:

إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما

وإنما قالها على حين لا تقبل توبة، على الأرجح.

قال تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليمًا حكيمًا * وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا}.

<<  <  ج: ص:  >  >>