إن النشيد بحب آل محمد ... أزكي وأنفع لي من القينات
فاحش القصيد بهم وفرغ فيهم ... قلبا حشوت هواه باللذات
واقطع لبانة من يريد سواهم ... في حبه تحلل بدار نجاة
وهي أيضًا طويلة مشهورة فتركنا إيرادها».
ولم يكن ابن المعتز يخلو من نصب ما ولم يسلم من لهوجة وتمريض ما في ترجمته لدعبل، وهو معذور إذ هجا أجداده. وزعم المعري أن دعبلًا كان في تشيعه كاذبًا. فالله أعلم أي ذلك كان.
وعلى طريق دعبل في التائية سلك ابن الرومي في الجيمية:
أمامك فانظر أي نهجيك تنهج
وفيهما معًا أمل التبرك والنفس السياسي، وكأن المعري يزعم أنه كان كاذبًا إذ قال إنه على مذهب غيره من الشعراء وهذا أخف من مقاله في دعبل إذ قال:«ما يلحقني الشك في أن دعبل بن علي لم يكن له دين، وكان يتظاهر بالتشيع». [ص ٤٢٠ رسالة الغفران].
الطور الثالث
وهو طور التعبد الممهد. نعني بالممهد أنه قد كان توطئة لطور نضج القصيدة النبوية، وصار حينئذ التماس التعبد بها طريقًا مهيعًا.
ويدخل في مجال شعر التعبد أصناف كثيرة كلها يصح أن تعتبر من قبيل التمهيد لقصيدة المدح النبوي الناضجة. منهن ما كان في الصدر الأول. وقد أورد صاحب أنساب قريش شعرًا كثيرًا لعباد قريش، مما يشهد بأن أمر الروحانيات في شعر العرب قديم.
وفي النقاد ولع أن يجعلوا بداية الفكر العربي والإسلامي كله من عند القرن الثالث، يحاكون في هذا المستشرقين. وإنما أتى المستشرقون من إصرارهم على أن يجعلوا أمر تطور حضارة المسلمين شبيهًا بما كان من تأريخ النصارى، إذ مرت مائتان من السنين قبل أن يتلئب أمر النصرانية وأناجيلها على نهج واضح. فلزم عندهم أن يكون أمر المسلمين وحضارتهم كذلك.
فمن ههنا مثلًا جاءت قصة التفرقة بين الزهد والتصوف والأوصاف المعنوية والأوصاف الحسية إلى آخر الباطل الذي يسرف فيه المسرفون. ولماذا يطلب المسلم معاني الروحانية وشهود أنوار الحق عز وجل من الهند ومن اليونان ومن الفرس وعنده