قد بادر فعقرها لينعم بأكلها في زمان لذته، وعسى أن يقوي هذا المعنى أو ينبئ عن معنى مقارب له قوله:
وقال ذروة إنما نفعها له ... وإلا تردوا قاصي البرك يزدد
ومما يتصل بمعنى شعبية النوح ما كنا قدمناه من قول الربيع بن زياد في مقتل مالك ابن زهير:(وإنما ناحت نساؤه بعد أن أدرك ثأره):
من كان مسرورًا بمقتل مالكٍ فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء سوافرًا يبكينه ... يلطمن أوجههن بالأسحار
وقد تعلم قول لبيد لابنتيه:
إذا حان يومًا أن يموت أبوكما ... فلا تخمشا وجهًا ولا تحلقا شعر
وقولا هو المرء الذي لا حريمة ... أضاع ولا خان الصديق ولا غدر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن بيك حولًا كاملًا فقد اعتذر
وتعداد مآثر الميت، وذلك تأبينه، كان فرعًا من النوح، ثم كأن الرثاء قد ظل منه النوح شعبيًّا، وتفرع ضرب آخر أقوى أسرًا وأشد أحكامًا فكانت منه قصائد تروى.
[كلمة عن الرثاء]
وبعدما قدمناه وفي ضوئه يمكننا أن نقسم الرثاء أربعة أقسام أولها تفجيع أهل الميت والمناحة الشعبية طرفٌ منه وللإسراف في أمرها نهي عنها لبيد وأحسب أن نهيه كان في الجاهلية وكان من فضلائها وسادتها وقد زاد النهي عنه في الإسلام. على أن السيرة تخبرنا أن النساء بكين قتلى أحد ومن ذلك قول كعب بن مالك: