يعجب بعض الناس الصفير الذي في حرف الصاد لارتباطه في عقلهم الباطن بمعنى من المعاني، فيودون أن لو كان الشعر جمعيه من قبيل قول أبي الطيب:
وأمواه تصل بها حصاها ... صليل الحلي في أيدي الغواني
ومهما يكن من شيء، فالمزاج لا يخضع لأحكام المنطق، وما من ناقد أو شاعر أو ناثر، إلا وهو واقع تحت سيطرته. وكثيرة من النقاد يتجنون في أحكامهم على الشعراء بحكم المزاج فقط. أذكر من هذا الباب أن المرحوم الرافعي تجني على العقاد جنايات عدة من هذا القبيل، في كتابه على السفود. مثلاّ نقده:"آه يقرب البعيد الخ" فقد حكم مزاجه، وافترض أن البعيد هنا بمثابة "ابن الكلب البعيد". وكثير من الشراء تستلطف أمزجتهم كلمات خاصة، فيتعبون الناس بتكرارها. من ذلك "قم" في شعر شوقي، و"ذا" عند المتنبي. والناثرون يجرون هذا المجرى.
وعامل المزاج كما لا يخفي داخل تحت تأثير العوامل التي ذكرناها آنفّا، إذ هو لا يسلم من أن يصطبغ بلون البيئة على أية حال. إلا أنه لقوة اتصاله بصميم الفردية
الإنسانية أهم العوامل جميعًا. وله القوة المرجحة في ازدراء بعض الألفاظ، واحترام بعضها. وبما أنه موغل في الذاتية، فهو العقبة الكئود في سبيل النقد، كلما أدار أن يطلق أحكامًا عامة، ويضع مقاييس تقاس بها القيم الأدبية. ومع هذا فالناقد الحق لا يني يبحث عن وجه علمي صاف، يهتدي به في دراساته. وهذا مطلب عزيز، وقصارى جهده أن يقتدي ما استطاع بأذواق النقاد الأفذاذ الذين سبقوه، ثقة بأن أمزجتهم قد ارتفعت عن مستوي الذاتية المعتاد، لما صقلها من مواظبة العلم والدرس والتجربة والتحري. ولكن تحديد النقاد الأفذاذ نفسه محل للجدل. وجميع ما ذكرنا من العوامل يؤثر فيه تأثيرًا شديدًا.
[مقاييس الألفاظ]
مما تقدم يري القارئ أن ابن الأثير على سطحيته لم يكن مخطئاّ كل الخطأ حين