للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زعم أن الكلمات تنقسم إلى حسن وقبيح بطبيعتها، إذ أحكام البيئة والمزاج و"والمودات" تلون كثيرًا من كلمات اللغة بألوان من الحسن والقبح، لا يستطيع المرء أن يصرف ذهنه عنها. وخطأ ابن الأثير الأساسي في أنه لم ينتبه إلى ان هذه القسمة نشؤها ظروف الحياة الطارئة، واستعمال الناس الخاضع لقوانين التغير، لأنفس طبيعة اللغة من حيث مخارجها. وقد جر هذا الخطأ ابن الأثير إلى أن يفرض ذوقه وذوق طبقة خاصة من معاصريه، على الأدب العربي جميعًا، من لدن معد بن عدنان إلى يومنا هذا.

ومذهب الجرجاني: في أن الألفاظ في مجردة من الحسن والقبح، حتى تحسنها التراكيب أو تقبحها، على عمقه ومتانته، مبني على تناسي العنصر البشري، كما قد أسلفنا من قبل، ولو قد كان الناس كلهم يفكرون تفكيرًا علميًا موضوعيًا، لحق عليهم أن يتقيدوا بقواعد عبد القاهر (١)، في حكمهم على الأساليب الأدبية، ولكانت هذه القواعد نهاية في الجودة والدقة. ولكن الناس يحسنون ويقبحون ويستهجنون ويستملحون، بحسب امزجتهم وبيئتهم و"موداتهم". وما أكثر ما يقسمون الموسوعة اللغوية بأجمعها إلى حسن قبيح، قبل أن تنظمها التراكيب. متأثرين بظروف حياتهم، وأذواق عصورهم. ولا شك أن التأليف يتأثر جدًا بكل هذا. أي الأدباء يقدم على استعمال كلمة يستسخفها معاصروه، مهما تكن قوية في أداء المعاني التي يريدها؟ وأيهم لا يطبوه استحسان معاصريه لبعض الألفاظ، أن يستعملها، كيما يسرهم بها، ويكسب ثناءهم؟ قليل جدًا من الادباء من يأنفون من تملق معاصريهم. وهؤلاء مبخوسو الخط في الكثير الغالب.

والحق، أنه لا مذهب الجرجاني، ولا مذهب ابن الأثير يصلح اساساّ لأن


(١) من شواهد تناسي عبد القاهر رحمه الله للعنصر الانسان أن أكثر ما يستدل به من الشعر ضعيف وسبب ذلك أنه بيني صروحًا من القواعد ثم يعجز أن يجد لها الأمثلة، لأنه لم يؤسسها على أساس من الاستقراء. والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>